الإثنين 21 أبريل 2025 03:02 صـ 23 شوال 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

ملاحظات حول فكرة ”الأقيال”

الأحد 17 يوليو 2022 10:05 مـ 18 ذو الحجة 1443 هـ


كان اللقب التشريفي الذي ابتكرته الجمهورية الفرنسية، في عهدها الأول، لتعزيز مبدأ المساواة ضد التراتب والاصطفاء، هو: "المواطن".. وليس "القيل"!
فكرة "القيالة" ذات منشأ يمني قديم، هذا صحيح، لكن محتواها الأصلي ليس جمهورياً مساواتياً. وبالتالي؛ قد لا تكون هي الرد المناسب على فكرة الامتياز القائم على النسب الهاشمي العلوي الزيدي.
ربما كانت استجابة مناسبة للتحدي الذي فرضته الإمامة الزيدية في أزمنة سابقة لكن ليس اليوم.
إلا إذا كان "الأقيال" الجدد عازمون على اضفاء معنى حديث على الكلمة القديمة التي قاموا بإحيائها بحيث توحي هذه المرة بالمساواة التي تتسق مع الفكرة الجمهورية لثورة 26 سبتمبر، فيكون كل مواطن يمني جمهوري يؤمن بالمساواة "قيلاً"، مهما يكن نسبه وأصله ومركزه ووضعه الاقتصادي.
في هذه الحالة لا مشكلة.
فالتأكيد على أن الجميع "أقيال" رداً على العقيدة النشطة التي تنص ضمنياً على أن البعض "سادة"، هو جهد مشروع بل ويستحق التشجيع إذا لم يكن مجرد عجرفة لفظية وسلاطة لسان في مواقع التواصل الاجتماعي.
حسب ما أعرفه أن "أقيال"، ومفردها "قيل"، كانت تشير إلى نمط من الزعامة المحلية (النبالة)، أو إلى رتبة سياسية واجتماعية في اليمن القديم. و"الأقيال" مثل "الأذواء" هم "رؤساء شعوب (قبائل) لها كيانها المستقل في تاريخ سابق ولها أراضيها المحددة"، بحسب المؤرخ محمد عبدالقادر بافقيه.
ونظام القيالة، وفقاً لـ بافقيه، نشأ لأول مرة في صنعاء ومحيطها في زمن الدولة السبئية قبل انتقاله إلى جهات ومناطق يمنية أخرى.
والقيالة، كما يضيف بافقيه، هو الاسم الذي يمكن أن يصف -في بعض الأحيان- نظام الحكم المحلي في الممالك اليمنية القديمة الذي يتمتع فيه الأمراء المحليون باستقلال ذاتي.
فالأقيال إذاً في العصور القديمة كانوا هم الأمراء -بالوراثة غالباً- على وحدات جغرافية جزئية في مشهد سياسي يمني يغلب عليه الانقسام.
وبهذا المعنى، تفقد فكرة الأقيال صلاحيتها الراهنة مرتين:
أولاّ كـ قيمة توحيدية، وثانياً كـ قيمة جمهورية.
الأمر الذي يتطلب من "الأقيال الجدد" القيام بمعالجة نظرية معقدة لإعادة انتاج الفكرة وتنقيتها وتكييفها مع معطيات الواقع اليمني والعالمي المعاصر.
بالنسبة لي، لا أنكر أنني أحبّ كلمة "قيل"، لكن أحبها مثلما نحب قلادة جميلة عتيقة من العصور الغابرة، بغضّ النظر عن الموقف من محتواها القديم.
وقد تغريني أحياناً باستخدامها لوصف شخص عزيز على سبيل التحبُّب والتشريف الذي نظهره في لحظات الود أو الاعجاب أو حتى المرح.
ومع ذلك لا أشعر حتى الآن بالحماسة لتحويل كلمة "أقيال" إلى مركز وعنوان لنشاط سياسي سجالي يثير غمامة من اللبس ويضاعف من الانقسام، في الوقت الذي تختفي فيه تلك الكلمات والعناوين وصيغ التعبير التوحيدية المشتقة من قاموسنا الوطني والنضالي الحديث والذي ندين بوجوده إلى التجربة الجمهورية.
إنني أفضِّل -في مواجهة "الإمامة"- أن أكون "مواطناً جمهورياً" على أن أكون "قيلاً".
أفضِّل "الوطنية" على "القومية".
الوطنية مرجعيتها الأرض، بينما القومية مرجعيتها أسطورة الأصل النَسَبي المشترك.
رغم أن الاستعمالات المعاصرة لكلمة "قومية" قد تأتي أحياناً في مضمون مطابق لمضمون كلمة "وطنية".
وهذا يعني أنه لا مشكلة أيضاً مع مفهوم "القومية اليمنية" وخصوصاً على النحو الرائع الذي كان يطرحه به الهمداني قبل أكثر من ألف عام، حيث يكون "النسب القحطاني اليمني" امتيازاً متاحاً يمكن للمرء اكتسابه بالعيش الطويل في "الأرض القحطانية" جنوب شبه الجزيرة العربية، بشرط أن يتخلى عن إيمانه بنسبه الأول ويندمج باختياره في شروط واستحقاقات النسب الجديد، أو أن يحتفظ بنسبه العدناني في "الأرض القحطانية"، لكن دون أن يترتب عليه استحقاق سياسي وروحي من نوع خاص.
هذه صياغة مبسَّطة لما فهمته من قراءتي للهمداني.
مع احترامي بالطبع لاختيارات وتفضيلات الآخرين.