المشهد اليمني
الجمعة 5 يوليو 2024 01:19 صـ 28 ذو الحجة 1445 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
قيادة دفاع شبوة ترسل وسطاء قبليين لأسرة طبيب قتلته وتعرض التحكيم القبلي مأساة في مخيم للنازحين بحجة: طفل يلقى حتفه ووالداه في حالة حرجة إثر حريق منزل العثور على ثلاثة قبور لجثث مدفونة بمنطقة خالية في عدن ومصادر تفجر مفاجأة بشأن مصير المقدم الجعدني ”الحوثي رضخ مجبراً واستجاب للضغوطات”... الوية العمالقة تكشف عن تطورات مشاورات مسقط ”خلل داخلي وزيارات متكررة: صحفي يشن هجوما على مسؤول حكومي يزور صنعاء دائما” ردود مصرية غاضبة على دعوة وزير إسرائيلي لاحتلال سيناء: سنتجه لدعم المقاومة ”دونها ستظل العبودية مستمرة”...نائب مقرب من الحوثيين يتحدث عن صرف المرتبات قصة مرعبة تُثير القلق: فتاة تُفضح زواجها من ”وحش” يُطلقها حاملًا ومحامي يطالب بحمايتها! نادي سيئون يعلن تعليق الأنشطة الرياضية ويُغلق بواباته دعماً لوقفة احتجاجية الكشف عن الثمن الذي قبضه الوفد الحوثي في مفاوضات مسقط للإفراج عن طائرات اليمنية المحتجزة والشرعية توافق بعد حملات المقاطعة ..يمن موبايل تُدخل السرور على قلوب عملائها بباقات نت جديدة بأسعار مُخفضة! صحفي سعودي يكشف عن جهود المملكة الكبيرة في دعم اليمن: أكثر من 229 مشروعاً ومبادرة تنموية

التصالح والتسامح : بين ‘‘العقل الفعال’’ و ‘‘العقل المنفعل’’

عندما قرر اليمنيون الجنوبيون الأخذ بمنهج التصالح والتسامح طريقاً نحو مستقبل آمن في اللقاء التاريخي المنعقد في ردفان عام ٢٠٠٧ ، كانوا يدركون أن الألغام الكبيرة التي يعج بها مسارهم نحو المستقبل ستظل مصدر تهديد دائم لاستقرارهم ، ومبعث صراعاتٍ مستمرة ؛ ولذلك فقد اتفقوا على اجتثاث هذه الألغام ، ومعالجة مشاكل الماضي ، وما رتبته من أضرار هنا وهناك ، على النحو الذي يجنب المجتمع الانزلاق نحو الثأرات والصراعات ، وبروح منسجمة مع ما يبثه التصالح والتسامح من حاجة لتحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر .

يشمل"ماضي الجنوب" فترة ما قبل الاستقلال ، الفترة الكولونيالية ، التي كرست ثقافة الانقسام الاجتماعي ، وظلت تنتج آثارها في صور مختلفة من الصراعات داخل بنية الدولة الوطنية ، وحتى اليوم . إن التوقف بتعريف الماضي عند الفترة التي تبدأ منذ الاستقلال وبناء الدولة الوطنية ، ليس سوى محاولة انتقائية ، أشبة بعملية مختبرية ، يجري فيها عزل التجربة عن المؤثرات المحيطة بها ، وهي عملية لا يمكن أن تحقق نتائج مقبولة علمياً عند ما يتعلق الأمر بالعمليات الاجتماعية والتاريخية التي لا يمكن فصلها عن بعض حينما يكون الهدف من التأريخ إحترام وظيفة التاريخ .

والماضي ، مثلما فيه الكثير من السلبيات، فإن فيه الكثير والكثير من الإيجابيات التي شكلت وتشكل تراثاً يعتز به الجميع . ولذلك فإن الحديث عن الماضي هنا ينصرف إلى كل ما ألحق الضرر بالمجتمع سواء في صورته الجماعية أو الفردية .

بدا ، يومذاك ، أن الجنوب يغادر هذا الماضي ويبني جسوراً مع المستقبل ، وأن إرادةً من نوع ما قد ألهمت النخب وفرقاء الحياة السياسية التطلع إلى فضاءات أرحب ، تنعم بمناخات عامرة بكل ما يجعل التصالح والتسامح عملية إصلاح جذري للثقافة السياسية ، ومناهج التفكير ، والبناء المستمر لمتطلبات التفاهم والتعايش ، واحترام حق الآخر في التعبير والاختلاف ، بما في ذلك بناء أسس وقواعد إدارة الاختلاف بالحوار ، والتنازلات ، وانشاء الآليات القانونية المحققة للعدالة .

لم يكن التصالح والتسامح دعوة لإدخال الجنوب في بياتٍ سياسي وثقافي ، بقدر ما كان تعبيراً عن حاجة موضوعية لوضعه في المكان الذي يليق به كرافعة لحياة مستقرة وكريمة لأبنائه ولكل اليمن .

وإذا كان الماضي ، في إطاره الزمني ، وسياقاته المعبرة عن ثقافة ذلك الزمن ومنتجاته الفكرية والسياسية قد حصد الكثير من المشكلات والتعقيدات ، فإن عملية الانتقال إلى المستقبل لا يمكن أن تتم إلا بمغادرة ثقافة ذلك الماضي ، ومناهج إدارته ، وانقساماته ، والعقلية التي تكلست بقيم التميز الاجتماعي ، والتملك التعسفي ، والغلبة ، والقوة ، واستمراء استقطاب المجتمع في صراعات وانقسامات ما قبل الدولة الوطنية ..فلا يمكن أن تتشكل إرادة التصالح والتسامح بمجرد الاعلان عن الرغبة ، وإنما بما تتضمنه دوافعه من قيم انسانية ، وأهداف وأحلام وأدوات جديدة ، سياسية، ثقافية ، علمية ، ومنهجية في التفكير .

اليوم ، وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة إلى التصالح والتسامح لا بد أن حصادها قد نبه الجميع إلى قيمتها في تغيير أنماط من السلوك السياسي والاجتماعي ، ويطرح في نفس الوقت أكثر من سؤال عن الأسباب التي جعلته يبدو وكأنه لا يزال رهينة بيد ذلك الماضي ، وأن سياسة تفجير الألغام في وجهه لا زالت تهدد هذه العملية التاريخية التي لا يمكن للجنوب أن يستقر بدونها .

تتجلى تفجير هذه الألغام في صور عدة من السلوك السياسي الذي يصر على أن يحمل معه الماضي ، أو يستدعيه عند الحاجة للاستقواء بأخطائه لتبرير خيبات الحاضر . إن مثل هذا الاستقواء ، الذي يقدّم في كثير من الأحيان على أنه مراجعة للدرس ، ليس

سوى مجرد طاقية إخفاء مؤقتة لا تلبث أن تفقد مفعولها الذي يتلاشى بقوة الحقائق التي لا تتحلل مع الزمن ، بل تحافظ على عناصرها المكونة لها طال الزمن أو قصر , وسيكتشف هذا السلوك أن كل ما يفعله إنما هو إعاقة لعملية الإنتقال إلى المستقبل ، وتقديم المزيد من الضحايا ، وإطالة عمر هذا الماضي بأفاعيل متشبثة بموروث الصراعات ، والإصرار على مواصلة تفعيل منطق ملازم لهذا الموروث ، وهو منطق أكثر إثارة للانقسامات والصراعات .

لقد كانت الدعوة إلى التصالح والتسامح عملاً رشيداً ، أمسك فيه "العقل الفعال" بالمبادرة في حين تراجع " العقل الإنفعالي" وكاد أن يختفي ، وهي من المحطات النادرة في التاريخ السياسي للجنوب ولليمن عموماً.

لقد كان لا بد أن يواصل "العقل الفعال" قيادته لمواجهة التحديات التي ستواجه التصالح والتسامح ، ومن بين هذه التحديات صعوبة عزل الجنوب عن فضائه اليمني الواسع بكل تناقضاته وصراعاته ، وكذا تأثيرات المحيط العربي في صياغة المسارات السياسية ، وهي عوامل أدخلت هذه العملية في تحديات حقيقية لا بد من أخذها بعين الاعتبار حتى لا تبدو وكأنها تعاني من قصور ذاتي ، في حين أن قيمتها الحقيقية ستتجلى من خلال قدرتها على شق طريقها نحو أهدافها وسط هذه التحديات والاعتراف بها والتعاطي معها بالعقل الفعال لا العقل المنفعل .