المشهد اليمني
الخميس 19 سبتمبر 2024 04:13 صـ 16 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

أمنية برائحة الوطن

يغادرون على أمل العودة؛ يعبرون جبالا من المخاطر قبل أن يصلوا مطار عدن؛ وفي مطار عدن تبدأ قصة أخرى …

و كحال كثير من اليمنيين الذين غادروا على أمل العودة؛ غادر خليل سفيان مطار عدن متجها للقاهرة؛ رحلة العلاج لم تكن غير محطة لفراق يطول…

كان محظوظا بعائلته التي استطاعت أن تعيد جسده إلى الوطن؛ في حين دُفن كثيرٌ من اليمنيين في مقابر دول الاغتراب؛ وابتلع البحر بعضهم…

حين عاد كانت روحه في علم الله؛ وعاد جسده للمدينة التي قضى فيها عمره؛ بين عمل وتربية وإدارة.

وحين مرض لم تكن مستشفيات تعز قادرة على تغطية علاج حالات مرضى المدينة؛ ومستشفيات تعز مأساة أخرى تضاف لما تركته الحرب على هذه المدينة المحاصرة!

غادر الوطن على أمل العلاج والعودة؛ لكن الموت كان قدره هناك في القاهره.

القادمون على صناديق الشوق وحدهم من يدرك قيمة الوطن؛ وحدهم من يستحق بقعة تضم أجسادهم التي أرهقها الغياب…

وفي رحلة العودة لا مقعد؛ ولا حزام أمان؛ ولا أيدٍ تلوح بالوداع …

المرافقون معه في صالة المغادرة والمنتظرون هناك في مطار عدن؛ وفي تعز ووجع لا يشبهه أي وجع! تنتظر الأسرة والجيران والأقارب وصول غائب سيطول غيابه؛ فقط هي النظرة الأخيرة ما ستملأ قلوبهم بقليل من الطمأنينة أنه عاد إلى مدينته وبين أهله؛ وأنهم حققوا له أمنيته الأخيرة برائحة الوطن.

ترى كم بقي من أحلامنا وأحلامهم في الوطن؟

محظوظ من وقف أهله حوله لوداعه…

محظوظ من عاد إلى وطنه…

محظوظ من يضمّ الوطن جسده بعد موته…

فكثير من اليمنيين ماتوا غرباء؛ بعد أن قشّرت الأوجاع أفئدتهم وألقت بهم رياح الغربة في منافي الشوق والألم…

رحل كثيرون ولم يعودوا؛ وعاد خليل لأهله ومدينته التي أحب…

تعز التي أحبّها هاهي تبادله الوفاء؛ وتفسح له موضعا لينام فيه نومته الأخيرة؛ ويرقد بسلام بين أهل وأصدقاء سبقوه لذات المكان.

عاد خليل سفيان وغادر آخرون دون عودة؛ وبين العودة واللاعودة وطن مزقته الحرب؛ وآمال معلقة بين مطار عدن ومطارات العالم التي اتسعت لآلام اليمنيين وآمالهم.

*من يوميات مدينة تحت الحصار 144