المشهد اليمني
الثلاثاء 2 يوليو 2024 02:25 صـ 25 ذو الحجة 1445 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
رونالدو أضاع ركلة جزاء والحارس يقود البرتغال للفوز والتأهل لربع نهائي يورو 2024” تعرف على 6 أسباب ستدفعك لتناول البصل يوميًا الاستسلام او الموت ...الحصار يزداد على مليشيا الحوثي والدخول في ورطة وانعدام الخيارات امامها بعد خطفهم للطائرات ألوية درع الوطن تُصدر تحذير هام وتتوعد ”صوت العدالة مكتوم: صورة القاضي قطران تُظهر وحشية الحوثيين!” حمام دم قادم بصنعاء وانفجار وشيك لصراع الأجنحة بجماعة الحوثي.. ومصدر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة صدمة في صنعاء: اغتصاب طفلة في التاسعة من عمرها على يد مواطن ثلاثيني يثير غضب الأهالي الكشف عن فندق ضخم في البصرة مملوك لقيادي حوثي كبير يثير غضبا شعبيا ” المواطن اليمني هو ”الجدار القصير” لاعباء الحوثيين...نائب في برلمان الحوثيين يشن هجوما على المليشيات ضربة في غاية الدهاء.. عضو ثورية الحوثي: الجماعة وقعت في فخ خبيث وفضيحة مدوية باحتجاز طائرات اليمنية النهاية للحوثيين... الكشف عن الخطوة الحاسمة للحكومة الشرعية ضد مليشيا الحوثي والتي ستنهي المليشيات بعد الهجوم على شبوة وتصدي العمالقة...هجوم حوثي كبير على محافظة جنوبية وقوات الجيش تتصدى

جيل التصحر والجفاف!

في المؤسسة الصحفية العريقة التي بدأت العمل بها قبل سنوات طويلة كان أمين الصندوق أهم موظف عند معظم الزملاء .!، حيث ترتيب الصرف الشهري والسلفات المؤجلة، كانت أهم من قضايا الساعة وآخر الأخبار.

كان أمين الصندوق مزهو بنفسه أول كل شهر ككبير المحررين، كان زمنٌ فيه وظيفة أمين الصندوق تحظى باهتمام كل المحررين وعمال المطبعة، وفي تعز المدينة المكتظة التي عشت بها، كان مثلا أمين صندوق مكتب وزارة التربية والتعليم يسير محاطاً بعشرات المراجعين والحراس،، فهو مطلوب من آلاف الموظفين الذين يقبضون منه كل شهر نقدا وعدا، الآن حسب تقييمات النظام العالمي الجديد تلك وظائف منقرضة ففي النظام المصرفي تستلم راتبك إلكترونيا وفي الدول الفقيرة لا تستلم راتباً من أصله!.

كنت استمع قبل قليل عبر إذاعة دولية للقاء صحفي تم إعداد أسئلته عبر الشات جي بي تي ، حيث يجري تطبيق الذكاء الاصطناعي في كل شيء ونجد أنفسنا في وضع سيفقد الصحفي نفسه وظيفته وليس فقط أمين الصندوق وموظف البنك. ونرى قارئة نشرة الأخبار ريبورت، وكبير الباحثين شاب ينسق المواد القادمة من مواقع إلكترونية لا أبحاث ميدانية.

ويهرع الكثير نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي من باب التسلية ، أو تعزيز الكسل الذهني، لإعداد بحوث مزورة مثلا بدلا من توظيف قدراته في تعميق المعلومة، بينما العالم يسعى لفتوحات مخيفة من السيطرة على المعرفة والقدرات.

مبعث الحديث السابق كله جرى وأنا أستمع للقاءات لا تنته عن التطور المعرفي وتعقيدات التكنولوجيا التي تحل محل البشر، وخلال الأسابيع الماضية فقط، لقيت نفسي محاصراً بأكثر من لقاء واسع عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتطور المهول في عالم التواصل العالمي، ومن ندوة عن دور الصين في السيطرة على الفضاء الجديد إلى تجربة كوريا في نظام التعليم إلى الأبد الذي عقد قبل يومين في رحاب الإيسيسكو، حيث تؤكد التجارب أن ثمة إشراقة أخرى من الشرق البعيد، أما شرقنا الأوسط الجميل فغارق في صراع الهويات القاتلة، وحروب التاريخ الدامية.

وأصاب بالحسرة كلما وقفت في لحظة مقارنة مؤلمة، حول جيل عالمي يحلق بعيداً في سماء التطور والمعرفة، وجيل من صغارنا تتخطفه حروب الكراهية والتشظي المعادي لقيم العصر.

في مؤتمر علمي دولي قبل أيام فرحت وأنا أرى طفلة صغيرة تقدم لنا عرضا مطولا عن علم الفلك، واحزنني إتصال متقطع عن أطفال تغيبهم الحرب في اليمن.

كانت مفارقة موجعة، حيث اللقاء الدولي يتحدث عن وقاية الأطفال وحمايتهم عبر الأمن السبراني، وكيفية توظيف مهارات الصغار الخارقة في تلقف التكنولوجيا، وإمكانية أن يقدم الصغار العون لآبائهم وجيل الأجداد ليكون كبار السن، على علم بالحد المعقول من مهارات استخدام التكنولوجيا، وخاصة في مجال التواصل، حتى لا يضل الكبار، أو يشعرون بالعزلة وعدم القدرة على التواصل ويبقون ضحايا الأمية الجديدة.

بينما يشكو أهل بلداننا الأبرياء في كيفية إنقاذ الصغار من حقول الألغام، والايقعوا فريسة مخيمات التجنيد الإجباري والاخفاء القسري.

أطفال العالم يحلقون بعيدا في سماء المعرفة، وصغارنا يحاصرون في واقع بين براثن الجهل وسؤ التدبير .

تلك مفارقة مفجعة تتطلب وقفة جيل وكل المجتمع.

والمشكلة الأساسية في واقعنا العربي، ليس فقط تزايد الفجوة المعرفية مع العالم، ولكن في تعزيز خطاب مجافي لقيم التطور والقبول بالآخر، وغياب لجزء آخر مهم في تنشئة الجيل عبر تراجع تعليم التفكير العلمي والتحليل المنطقي، وإحداث توازن عقلي ونفسي مهم بتعميق المعرفة بالعلوم الإنسانية، بجانب علوم العصر ، فلا يمكن الذهاب إلى آفاق التقدم دون منظومة تربوية متكاملة من تأهيل علمي وقدرة على التحليل النقدي، وروح مشبعة بالانتماء الأصيل، البعيد عن روح التعصب والكراهية والصراع ورفض الآخر.

كان طه حسين يقول قبل ثمانين عاما أن التعليم مهم للناس كالماء والهواء، ولحسن حظ عميد الأدب العربي أنه مات ومازال الأمل يملأ النفوس، والناس تتقاسم الماء والهواء وقليل من المعرفة، أما لو أمتد به العمر ليرى أرذل الأيام لمات اختناقا بعبرات القهر ،حيث صارت المطالب البسيطة أكثر صعوبة في الحصول عليها ،خاصة في بلدان الصراع حيث لا هواء لغياب الأوكسجين الذي يدمر المستشفيات ويفتك بالمرضى، والجفاف الشامل الذي غدا سمة المرحلة بكلها، الجفاف والتصحر النفسي والفكري بمعناه الواسع، وليس فقط إنعدام المياه التي تعاني أيضا من حرب لا تقل ضراوة عن حروب الاستقلال! .

*الأهرام