المشهد اليمني
الجمعة 13 سبتمبر 2024 05:26 صـ 10 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
رابطة الدوري الفرنسي تأمر باريس سان جرمان بسداد 55 مليون يورو لمبابي كيف يرد الله حق المظلوم في الدنيا.. وهل يشعر من مات برد مظلمته؟ إضراب شامل للتجار في صنعاء احتجاجًا على الجرعة السعرية الجديدة الحوثية محافظ شبوة يتابع قضية مواطنة متحجزة في عمان ويؤكد متابعته المستمرة بيان لمصلحة الضرائب الحوثية بشأن حقيقة الزيادة على الملابس المستوردة الأمم المتحدة في مأزق: تصرفات الحوثيين تغلق أبواب الأمل أمام ملايين اليمنيين! ”النائب العام يشيد بجهود القضاة في تطوير الأداء القضائي ويؤكد أهمية الدورات التنشيطية” ”سيارة الموت تسلب روح ”أمل”.. مأساة تهوي بأسرة بأكملها” قاضي يحذر من كارثة تشطيرية تهدد القضاء اليمني بعد تعديلات حوثية ”حكومة الحوثيين تُلاحق الإعلام الرقمي: رسوم على المواقع الإخبارية ومحركات البحث!” النائب العام يتفهم ويعد بالتحرك.. هل تأخذ قضية الناشط سامي باوزير منحى جديداً؟ تدشين النظام الإلكتروني لإدارة الموارد البشرية وإصدار البطائق العسكرية الإلكترونية لمنتسبي وزارة الداخلية في عدن

الزواج وأحكامه في اليمن القديم

المجتمع اليمني من قديم الزمن مجتمع أبوي، يلعب فيه الأب دورًا كبيرًا في إدارة العائلة وإعاشتها وحمايتها، وهي عادة المجتمع الشرقي غالبًا، على تفاوت بين المجتمعات الشرقية نفسها.

وتجدرُ الإشارة في البداية إلى أن النصوص المسندية المتعلقة بالشؤون الاجتماعية من أقل النصوص في الجوانب الأخرى.

تذكر الباحثة السعودية المرموقة الدكتورة أروى النعيم في كتابها "التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية حتى نهاية دولة حِمْيَر" أن هناك قانونا ينظم الزواج بين الجالية المعينية والديدانية في دادان، "العلا حاليا". وهو قانون صادر من الملك المعيني، ولكنه غير كامل، لأنه فُقدَ عدد كبير من حروفه، ونص القانون: "أي سيدة من معين تقترن برجل من دادن، وكذا أي سيدة من دادان تقترن برجل من معين فإنّ أبناءهم وبناتهم وزوجاتهم يصبحون معينيين..". انظر التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية، د. أروى النعيم، 214.

وهذا القانون يحافظ على جنسية المرأة اليمنية التي تتزوج إلى خارج مملكتها، فتبقى محتفظة بكل حقوقها، كما يمنح أي امرأة غير يمنية تتزوج إلى اليمن المواطنة اليمنية.
وثمة نص قانوني آخر لدى قبيلة "مطرة"، يمنع زواج بنات مطرة من خارج القبيلة. نفس المصدر، 215.
واحتراما للعلاقة المقدسة بين المرأة والرجل فقد خصصت بعض المعابد كاهنة اختصت بتنظيم العلاقات الأسرية خاصة بين الأزواج، ويظهر من خلال هذه النصوص أن المشاجرات الزوجية أمرٌ مخالف للشعائر الدينية. نفسه، 217.

ولم يكن تم قسر المرأة اليمنية قديما على الزواج؛ بل كانت تتزوج من توافق هي عليه بمحض إرادتها، وتتم عملية الزواج علنا، كما يرى الباحث في التاريخ اليمني القديم جواد مطر: "وفي اليمن لا نملك أي وثيقة تثبت أن الفتاة كانت تُكره على الزواج بمن لا تريد؛ بل إنها كانت كالرجل تماما، لها حق اختيار الزوج، بينما نرى في المجتمع البابلي أن الأب السيادة في زواج ابنته..". الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في اليمن القديم، د. جواد مطر الحمد، 216. وانظر أيضا: جوانب من تاريخ وحضارة العرب في العصور القديمة، د. أحمد أمين سليم، دار المعرفة الجامعية، 1997م، 254. وانظر أيضا المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 527/5.

ويضيف: وتسبق عادة إجراءات الزواج مفاوضات بين أولياء أمر الطرفين، لتحديد الصيغة النهائية لشروط العقد، والاتفاق على المهر والخطوبة، ووقت إتمام الزواج. وإذا كان يوم العقد اجتمع القوم ونُحرت لهم الذبائح، وخطب الخطباء من آل الزوجين. ويقصد بعد الزواج هو الوثيقة الرسمية التي تنص على شروط الاتفاق، وتتضمن حقوق وواجبات الطرفين، كما تشير إلى شروط إضافية، كتحديد عقوبة فسخ العقد، أو الإخلال بشروطه، وأهم جزء في العقد هو الذي يذكر أن الرجل أخذ المرأة، ليُصبحا زوجًا وزوجة؛ أي تحول كلٌ من الفتى والفتاة إلى زوج وزوجة. نفس المصدر، 217.

ويضيف الباحث: ونرى في النقوش اليمنية التي تعود إلى دولة معين ما يُشيرُ إلى أن الزواج كان لا يمكن أن يُعد زواجًا إلا إذا اكتسب الصفة القانونية، فنرى أن ملوك معين كانوا يصدرون أوامرهم بالموافقة على عقود الزواج، على نحو ما تفعله الحكومات في الوقت الحاضر، من إصدار وثائق عقود للزواج". نفسه، 219.

ويضيف الباحث أيضا: ولا بدّ من أن يُقدم للفتاة أولأهلها مهرًا، أو صداقا قبل الزواج، وهو ركنٌ أساسي في عقد الزواج، وقد جاءت لفظة "مهر" بمعنى أموال وثروة.. ويرى الدكتور محمد بيومي مهران أن الصداق ما يُقدم للزوجة؛ أما المهرُ فهو ما يُقدم للوالدين أو لأهلها". نفسه، 220، وانظر أيضا: الحضارة العربية، د. محمد بيومي مهران، 34.

وفي يوم الزواج تُزف العروسُ إلى زوجها، ولا بدّ من أن الطبول تُقرع، إعلانا للزواج.. وتكون العروس متهيئة لذلك، ومزينة بأحلى صورها.

وثمة نقشٌ آخر، يُعتبر من أهمّ النقوشِ المعينية، يتعلقُ بزواج بعض التجار المعينيين من نساء أخريات من خارج اليمن، اكتشفه الرحالة الفرنسي جوزيف هاليفي في العام 1869م، وواصل اكتشاف بقية النقوش المؤرخ والآثاري ادوارد جلازر بعده نهاية القرن التاسع عشر، في منطقة "قرناو" بالجوف، على مسلة كبيرة، على مقربة من سُور العاصمة المعينيّة "قرناو"، اختلف المؤرخون في تحديد زمنه، فمنهم من يُرجعُه إلى القرن الثاني، ومنهم من يرجعه إلى القرن الثالث، ومنهم من يُرجعُه إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأشارت مجموعة الوثائق النقشية التي تصل إلى 84 وثيقة إلى 86 زوجة أجنبية، تزوجهن يمنيون من خارج اليمن، منهن 32 زوجة من غزة، و 9 من دادان، و8 من مصر، والبقية من أماكن أخرى. انظر: تاريخ اللغات السامية، 240.

وقد تزوج التجار المعينيون هؤلاء النسوة في بلادهن هناك في مصر وغزة ودادان، وعادوا بهن معهم إلى مملكتهم، وأقدموا على توثيقِ هذا الزواج الشّرعيّ في معبد "رصافم"، لأهدافٍ قانونيّةٍ، لعلّ من أهمها رغبة أزواج أولئك النسوة في نزع اعتراف المؤسسة الدينيّة في "معين" بذلك الزواج من أولئك النساء الأجنبيات، وقبول انتمائهن إلى وطنهن الجديد "معين"، وما يترتب على ذلك من حفظ حقوق كل زوجة منهن، من إرثٍ وإعالة، ومعاملتها منذ تلك اللحظة، فردًا من أفراد الشّعب المعيني، عليها واجباتٌ، ولها حقوق، مثلما ينطبق على أيّ امرأةٍ معينية الأصل والمنشأ. ودونت النقوش التي عثر عليها أسماء الزوجات المصريات، وهن: أختمو، أمة شمس، بدر، تبأ، تبأ، تبأ، تحيو، تخبث. نفسه، وانظر كتابنا: السد والهرم العلاقات اليمنية المصرية قديما وحديثا، ص: 47.

وكانت المرأة اليمنية في التاريخ القديم، تُـتاجر وتتملك وتبيع وتشتري وتتقرب للمعابد، كالرجال، لا فرق، ولم تكن الملكية حكرا على الرجال دون سواهم، كما كان الحال عليه في بعض المجتمعات، منها المجتمعات الأغريقية.

لقد عاشت المرأة حياة البذخ والرفاهية، كما تذكر نصوص المسند؛ حيث وثقت المرأة اليمنية صورة من معيشتها وطبيعة حياتها التي تتسم بالرخاء والغنى، فقالت بلغتها الحميرية: "أنا شمعة بنت ذي مراثد كُنْك إذا وُحُمك أول بانقشم من أرض انهندا بطلة زاهدا" أي: أنا شمعة بنت ذي مراثد، كنتُ إذا وحمتُ أحضر القشم من أرض الهند بطلة طرية". مجلة الإكليل العددان الأول والثاني (20 ـ 21) للسنة الثامنة 1990م. إبراهيم محمد الصلوي، 84. والكاف هنا دالة على ضمير المتكلم.

ومن خلال اللوحات والرسوم يتضح لنا مقدار الدلال والغنج والرفاه الأنثوي الذي كانت تتمتع به المرأة اليمنية قديما، باعتبار الفن مرآة المجتمع، تنعكس فيه كافة تفاصيل المجتمع الذي يعيشه؛ وقد عكست لنا تلك اللوحات طبيعة حياة المرأة اليمنية بحللها الزاهية المُرخاة على جسدها، وأيضا الحلي المنقوش الذي تتزين به، إضافة إلى طريقة التعامل مع شعرها بطريقة فنية راقية، تعكس ــ فيما تعكس ــ كل هذه الحالات مدى الرفاه الاجتماعي الذي حظيت به المرأة في اليمن القديم. "سيدة العود أنموذجا".. انظر كتابنا: الفنون في الحضارة اليمنية القديمة.

على صعيد آخر.. كانت ثمة قوانين صارمة تجاه المرأة التي تجنح نحو الأعمال اللاأخلاقية، حيث تنص مدونة القديس جرجنتيني على النص الشرعي التالي: "كل رجل أو امرأة، غير متزوجين يمارس البغاء، يعاقب بمئة جلدة، ثم قطع أذنه اليسرى، ويشهر به، وتحجز كل ممتلكاته؛ أما إذا حدث ذلك من رجل أو امرأة غير متزوجين، وكانا ينويان الزواج بشكل شرعي عندها يتم تزويجهما، وتسقط العقوبة عنهما". وهذه المدونة اشتملت على 64 بندا، تنظم الحياة العامة في نجران. وهي منشورة في كتاب الدكتورة أروى النعيم، وفي كتابنا: ماذا يعني انتمائي لليمن؟

هذه هي المرأة في اليمن القديم، ملكة متوجة، وأميرة محترمة، ومع هذا يأتي من يطعن في شرفها وعفتها من السلاليين البغيضين الجهلة.