محمد .. الرعد الهادئ!

في الطريق من الموصل إلى بغداد خلال أحد مهرجانات (المربد) لاحظت أنه تتبعني رغبة في الجلوس معي ، أملاً في حديث طويل يخفف من ملل السفر في طريقٍ طويل.
ما أدركته يومها هو ان محمد أحمد الرعدي السفير ، المثقف الكبير كان مثل قطعة ثلج كبيرة ، إسفنجة ناعمة لها ما لها من القدرة على امتصاص المعرفة من كل شيئٍ حولها لدرجة تفوق الخيال.
طرح عليّ سؤالاً غريباً عما إذا كنت متزوجاً أم لا ، فأجبته بالنفي ، فسألني "هل يعقل بعد كل هذا الترحال والشهرة لم تجد الفتاة المناسبة لك" فأجبته "بلى ، لكننى لم أجد بعد الفتاة التي أناسبها".
كان رأيي الذي صارحته به أنني مالم أجد (يمنية) أشم في عَرَقِها رائحة اليمن فلن أتزوج ، إلتفت إلي مستغرباً.
أحسست كأن كلامي وقع على عصبٍ حساسٍ لديه ، فقد كان متزوجاً من سيدة فرنسية كما علمت ، والرجل كان بالمجمل غربي الثقافة والتعليم والخبرة والعيش والعمل.
ذهب الرعدي للدراسة في لبنان ضمن ما عرف بـ (بعثة الأربعين) ومنها إلى فرنسا ثم مصر ، لكن الأهم من هذا أنه قرأ خارج الجامعة أكثر مما درسه في الجامعة بدليل إختياره لترجماته وفي مقدمتها (من كوبنهاجن إلى صنعاء) لأحد المستشرقين الدنماركيين.
تكررت بعد ذلك لقاءاتي بالرعدي خلال دراساته البحثية أو نشاطه في بعض المؤسسات المدنية كالهلال الأحمر.
من أجمل ما تعلمته من الرعدي هي كيف أنتقي من الكتب الكتاب الذي يقودني دون عناء إلى الكتاب الذي يليه ، الكتاب الذي يأخذني الى المسار الصحيح من المعرفة.
للرعدي إنجازات سياسية ودبلوماسية وثقافية واقتصادية عدة خلال سنوات حياته ودراسته وعمله ، لكن من وجهة نظري أن إنجازه الأهم كان اكتساب مستوى عال من الاحترام لـ (محمد الرعدي) إحترامٌ كبير يشبه الرعد!
*مقال سابق بتاريخ 1 أكتوبر 2021 عن الجميل الراحل اليوم محمد الرعدي بعد مرض عضال ، رحمة الله عليه.