المشهد اليمني

لم تعد عدن وحيدة لايشاركها في روحها أحد

الأحد 19 مارس 2023 08:35 مـ 27 شعبان 1444 هـ
محمد المقبلي
محمد المقبلي

قبل أشهر شهدت عدن عرض لمسرحية هاملت..وشهدت مبنى المجلس التشريعي السابق الذي يتموضع بالربوة المقابلة لعدن القديمة (كريتر).
المسرحية قفزة فنية عبقرية.. للثنائي عمرو الإرياني ككاتب وعمرو جمال كمخرج ونجوم كبار في المسرح مثل الفنانة شروق.وغيرهم. من فريق خليج عدن.
أقول قفزة.. كونها أداء لمسرحية عالمية بلهجة عدنية مع الإحتفاظ بالمضمون.. والأهم من ذلك كله أن التذاكر كانت تنفذ بسرعة البرق معنى ذلك أن جمهور المسرح في عدن كامن ولم يتلاشى في المدينة التي كانت وستظل بوابة للفن والمسرح والتحديث.. وتدب فيها العافية والنور من جديد وتنتعش حتى وجروحها مفتوحة بلا ماء معين يعين.. روحها.
وهاهي تشهد ميلاد فرقة موسيقية لشابات من عدن.. نحو ١٥ عازفة على آلات موسيقية في مقدمتها العود ابن الروح اليمنية وكذلك الكمان آلة السلوان البشري ونبع الإيمان الحزين والجيتار وغيره..وفيها من البشاشة الكثير والكثير.
تتعافى عدن بالروح وماينميها.. كمدينة كونية متفردة بحاجة الى فهم أوسع من السياسة فهم نابع من طبيعة الحياة وفيض التاريخ الروحي والوجودي والمكاني والجمالي وليس الفهم النابع من ندوب التاريخ السياسي وجروحه وعقده وتشظياته..
ما من مدينة إلا ويجري التاريخ السياسي من خلالها فيصيبها في مقتل كما حصل لبيروت وبغداد ودمشق أو تبتلع القشة وتقاوم روح المدينة القشة.. وتزيدها الضربة التي لم تقتلها قوة وتستعيد روحها من جديد وهذا ينطبق من وجهة نظر خاصة بي على عدن والقاهرة وفق تقديري وينطبق ايضا على مدن كونية عالمية كقرطبة وطليطلة و باريس وطوكيو واثينا واسطنبول وميلانو وغيرها...
لم تعد عدن تلك الحزينة التي لايشاركها في رقصتها أحد كما في السنوات المظلمة وصولا للإنقلاب والإجتياح الحوثي وماسبقه وما وماتلاه من اذى ممنهج وصراع حاول أن يقنص روح عدن وريحانتها.. لكنها تتلمس عافيتها كل يوم وترتق وتعانق وتستعيد ماتيسر ممافقدته من ذاتها وكينونتها وكيانها خصوصا تلك التفاصيل التي هي من خارج السياسة.. مركزية الليل والفل في طقوس المدينة.. المخادر واللمة والرقص والأغاني.. المسرح والموسيقى... البحر وتأملاته واسراره التي تفيض.. الأميرة التي تطل من عمق بحر صيرة لتلوح لذوي الحظ.. الفكر والتأملات وطاولات الضمنة وشجن الذكريات
التفاصيل التي كتبها عنها درويش ورامبو والبردوني وفي قصيدة العمر لعبد العزيز المقالح التي كتبها عن عدن و أسماها قصيدة العمر عنوة ودلالة.. ماجاء في ذاكرة الدكتور الظفاري و كتاب منصور هائل عن اطيافها ورواية بخور عدني لعلي المقري.
ويبقى جزء من اسرار عدن غير المرئية مكتنزة لدى لطفي امان واحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد ومحمد عبده زيدي وفيض محمد صالح العزاني.. وفوج جديد واسع وقاصد.. ينمو ويختمر وقد يفصح عن خلاص كبير وكثير.