المشهد اليمني

الولايات المتحدة الأمريكية تقتطع حصتها من النفط الليبي

السبت 6 مايو 2023 02:27 صـ 16 شوال 1444 هـ

الاستقرار في ليبيا، حاله كحال الاستقرار في أي دولة في المنطقة، لا يتحقق من دون قيادة وطنية تضع في أولوية عملها كف يد الهيمنة الغربية وداعميها عن موارد البلاد، ومن ضمنها النفط. وعليه، يبقى حلم الاستقرار مؤجلاً إلى حين حصول ذلك.

فالولايات المتحدة الأمريكية الآن وضعت الثروات الليبية الغنية نصب أعينها، وبدأت تجر جميع دبلوماسييها وثقلها للهيمنة على العملية السياسية فيها ومن ثم تأمين هذه الموارد النفطية الغنية وتحقيق أرباح على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وذلك يتم بالطبع بدعمها لشخصيات ليبية فاسدة تتحكم بهذه الموارد وتسييرها وفقًا لما تراه مناسبًا.

حيث أشارت تحركات الولايات المتحدة الأخيرة إلى رغبة الإدارة الأميركية في تعزيز نفوذها الاقتصادي بجنوب البحر المتوسط لتعويض صادرات النفط الروسي نحو أوروبا، في محاولة يائسة لتحجيم النفوذ الروسي المتنامي في البلد الذي يشهد من سنوات فوضى سببها التدخلات الأمريكية نفسها، ولم يستطع بعد تحقيق استقرار سياسي.

وخلال الفترة الماضية أبرمت شركتان أميركيتان صفقتين لتطوير حقل نفطي وسط ليبيا، وتشييد مصفاة نفطية في الجنوب الغربي، ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن كلا من شركتي “هاليبرتون” و”هانيويل إنترناشونال” الأميركيتين، أبرمتا صفقات مشبوهة يصل إجمالي قيمتها 1.4 مليار دولار مع المؤسسة الوطنية للنفط.

والعملاق النفطي الأميركي هاليبرتون، سيتولى تطوير حقل الظهر النفطي في محافظة سرت (وسط)، بقيمة مليار دولار، بينما تحدثت الصحيفة الأميركية عن مشروع تشييد شركة هانيويل مصفاة نفط في الجنوب الغربي بقيمة 400 مليون دولار، في حين تقول مؤسسة النفط إن تكلفة المشروع تتراوح ما بين 500 و600 مليون دولار.

هذه الصفقات الضخمة التي تجريها حكومة انتقالية منتهية الصلاحية ستؤثر سلبًا على العملية السياسية في البلاد، لأنه ما أن تبدأ هذه الشركات الأمريكية عملها على الأراضي الليبية، لن تستطيع القيادة التي ستنتج عن الانتخابات المرتقبة طردها أو التحقيق في سلامة عقودها وصفقاتها.

ولكن تكمن المشكلة الرئيسية لقطاع النفط الليبي، في أن عائدات النفط الليبي الضخمة التي يتم جنيها من بيع النفط المستخرج بالقدرات الحالية للحقول النفطية، ينتهي بها المطاف في الخزائن والممتلكات الشخصية لرؤوس الفساد في ليبيا المعروفين منذ سنوات، وهم رئيس الحكومة المنتهية الصلاحية، عبد الحميد الدبيبة، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحان بن قدارة.

فبعد أن سيطر عبد الحميد الدبيبة على المؤسسة الوطنية للنفط، من خلال تعيينه العام الماضي لفرحات بن قدارة، رئيسًا لإدارة مجلس المؤسسة، بشكل غير شرعي تهافتت الحكومات الغربية لاقتطاع حصة من النفط والغاز الليبيين، بصفقات وهمية ومشبوهة عارضها القضاء الليبي، مقابل دعم سياسي ومادي للدبيبة لاستمراره في السلطة، وفي مواجهته امام النخب السياسية المعارضة له، وآخرها كانت هذه الشركات الأمريكية.

واختلاس حكومة الدبيبة الكبير لأموال النفط يمكن رؤية تداعياته على المواطنين الليبيين من خلال إلقاء الضوء على سوء الخدمات العامة في البلاد، فعلى سبيل المثال، هدّدت نقابة الأطباء مرات عديدة الشهر الماضي، بالإضراب والدخول في عصيان مدني، وذلك بسبب نقص المرتبات وقلتها، وعدم صرف المستحقات اللازمة والمناسبة للأطباء، بالإضافة إلى نقص الأدوية والمعدات الطبيبة وانهيار العديد من القطاعات الطبية، أي بمعنى آخر، عدم توفير حكومة الوحدة السيولة اللازمة لتأمين احتياجات قطاع الصحة بسبب اختلاسها معظم أموال العائدات النفطية، وهذا ما أكدته تقارير ديوان المحاسبة في كل من 2022 و 2021.

ومن جهة أخرى تشكو مؤسسة الكهرباء من قلّة التمويل أيضًا، ما يدفعها لصيانة المحولات الكهربائية والشبكات باستبدالها بأخرى تالفة وقديمة أيضًا، الامر الذي ينعكس سلبًا على القدرة الإنتاجية لمحطات الطاقة وتأمين تدفق التيار الكهربائي في جميع المناطق دون انقطاع.

وغيرها الكثير من الأزمات التي تواجه المواطن الليبي تحديدًا، وتضرب جميع جوانب الحياة لديه، بينما بلاده تعتبر صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة الإفريقية بأكملها.