سائق سيارة إسعاف يجهش بالبكاء لكثرة الضحايا.. وأم مكلومة تصرخ: أطفالي ماتوا قبلما يأكلوا.. مشهدان من غزة يخلعان القلوب

تحولت مدينة غزة الصغيرة جغرافيا إلى كتلة ضخمة من الآلام والأوجاع ونزيف الدم، بعد ثلاث ليال من الجحيم وأربعة أيام من الموت والدمار، عاشتها تحت القصف الإسرائيلي الهمجي العنيف، على مدار اليوم والليلة، وما زالت تعيشها حتى اللحظة، مع موقف دولي تجاوز الصمت هذه المرة، إلى الوقوف صراحة مع إسرائيل وما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية بحق أكثر من 2 مليون نسمة من المدنيين هناك.
ووثقت مئات المقاطع المصورة، المتداولة على منصة إكس، (تويتر سابقًا) اطلع "المشهد اليمني" على بعضها، مشاهد مأساوية تنخلع لهولها القلوب، فما بين طفل يرثي ركام منزله المدمر، وعائلته المفقودة، وامرأة مكلومة تهيم باحثة عن أطفالها، لتجدهم قد فاضت أرواحهم إلى بارئها، والتراب والدم يغطي أجسادهم الغضة الطرية ، وشاب فقد كامل أسرته، وسائق عربة إسعاف، ينتحب على زاوية من هول ما يرى، ويجهش باكيًا في صورة تعبر عن قهر الرجال وعظم الفاجعة.
وتظهر إحدى الأمهات المكلومات، تصرخ باكية في أحد شوارع غزة المكتظة بجثث الشهداء وركام المنازل المدمرة، "أولادي ماتوا قبلما يأكلوا.. ارحمونا يا عالم نحن عزل".. نعم هكذا قالتها الأم المفجوعة.. لقد استكثروا عليها حتى إطعام أطفالها لقيمات قبل الوداع الأخير.
أما سائق الإسعاف، فلم يستطع وهو وحيدا في مقدمة السيارة المتهالكة، كبح زفرات الألم في صدره، لتخرج دفعة واحدة بجهشة مقهورة ونحيب شديد، وهو يرى الكم الهائل من الدمار والضحايا، في كل مكان يمر منه حائرًا بلا حيلة.
وحتى مساء الثلاثاء، استشهد 5 من مقدمي الخدمات الإسعافية وأصيب 15 آخرين، ودمّرت 12 سيارة إسعاف بالكامل، بغارات إسرائيلية مباشرة، في وقت استهدف فيه القصف الإسرائيلي 45 مهمة إسعاف منذ بدء المعارك، حتى فجر اليوم الأربعاء.
ويعكس استهداف المسعفين وطواقم الإسعاف، تجاوز الاحتلال الاسرائيلي كل الخطوط الحمراء دون أدنى مبرر، مستندا على دعم وتواطئ دولي يبيح له كل شيء لإشباع غطرسته الوحشية.
وينذر الاستهداف المتواصل للقطاع الصحي الذي كان مهددا بالانهيار قبل الحرب، بكارثة أكبر، في وقت تعكس فيه قائمة الخسائر التي وقعت خلال الأيام الماضية حجم الضرر المفجع.
فقد قصف جيش الاحتلال المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع، مما أوقع خسائر مادية وبشرية، كما أدت الغارات لتوقف مستشفى بيت حانون عن العمل، وبالمثل خرج مستشفى العيون الدولي عن الخدمة بعد قصفه بشكل مباشر.
ولم تعد أسرَّة المستشفيات أيضا كافية لاستقبال مئات المصابين الذين يصلون على مدار الساعة مع تواصل القصف، مما يزيد معاناة العاملين في القطاع الصحي.
ومساء الثلاثاء، قالت مديرية الدفاع المدني في غزة، إن طواقمها "باتت عاجزة عن التعامل مع الكم الهائل" من البيوت المدمرة بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل منذ السبت.
وأضافت المديرية، في بيان أن "أعداداً كبيرة من المواطنين لا تزال تحت أنقاض المنازل التي دمرتها طائرات الاحتلال على رؤوس ساكنيها في عدة مناطق من قطاع غزة".
ولفتت إلى أنها لا تملك ما يكفي من آليات ومعدات ثقيلة لإخراج العالقين من تحت الأنقاض، محذرة من أن ذلك "ينذر ارتفاع عدد الضحايا بشكل كبير".
وفجر السبت، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية "طوفان الأقصى"، ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
وقالت وسائل إعلام عبرية، الثلاثاء، إن عدد القتلى الإسرائيليين أكثر من 1200، إضافة إلى 2800 جريح، من بينهم 360 في حالة من حرجة إلى خطيرة، بينما أعلنت وزارة الصحة بغزة، ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 900 قتيل و4500 مصاب بجراح مختلفة، جراء استمرار الغارات الإسرائيلية على القطاع منذ السبت.
ومن بين الشهداء الفلسطينيين بقطاع غزة، 260 طفل، و 230 امرأة، و 22 أسرة استشهد أفرادها بالكامل.