المشهد اليمني

طارق صالح ودراما تكرار التاريخ: بين وهم السلطة وبركان الغليان التهامي .

السبت 22 يونيو 2024 10:12 صـ 16 ذو الحجة 1445 هـ

عندما وصل علي عبدالله صالح إلى قمة التسلطة والنفوذ، كان سقوطه حتمياً. لم تكن أحداث 2011 سوى نتيجة حتمية لحالة التفكك والانهيار التي عانى منها نظامه، والتي لم تحتمل أول هزة تعرض لها. على عكس الدول الأخرى التي شهدت ثورات الربيع العربي، كان سقوط صالح نتيجة تراكمات داخلية طويلة. بدأ هذا السقوط عندما وجه الآلة العسكرية لمواجهة الجنوبيين المطالبين بحقوقهم، وعندما ترك النافذين ينهبون تهامة وأراضيها. عاش صالح في وهم الفضائية اليمنية التي تبث أغانيه وكانت تعكس حب الشعب له، بينما كان الواقع يشهد حالة تمزق وغليان شعبي ينتظر الفرصة للانفجار. وعندما هبت رياح الربيع العربي، تفكك النظام وتحولت صنعاء إلى مربعات، وعاش صالح في أحد تلك المربعات محاطاً بمن كانوا يصورون له أن الشعب يحبه، وأن معارضيه قلة.

اليوم، يتكرر المشهد، ولكن ليس في اليمن التي أصبحت مقسمة إلى أكثر من دولة، بل في تهامة على يد طارق صالح، أحد المقربين من صالح. الذي كان جزءاً من معركة الانتفاضة حول منزل صالح، وجاء إلى تهامة بعد خسارته المعركة، وقد أخطأ التحالف خطأ استراتيجي بإدخاله إلى الساحل التهامي المحرر بسواعد التهاميين والمقاومة الجنوبية. ورغم ماضيه القريب، قبله التهاميون شريكاً وليس قائداً، ورغم رفضه الاعتراف بالشرعية اليمنية وترديده أن شرعيته في بندقيته وأن الواجه صنعاء. بعد ثماني سنوات، تحولت تلك البندقية إلى أداة لقمع التهاميين، وتحولت ثكناته العسكرية إلى معتقلات ومراكز تعذيب تشبه سجن أبو غريب.

اليوم، طارق في قمة سطوته وتسلطه، ولكنه لم يتعلم من الماضي. أكتب هنا للذكرى، لأعيد نشرها مستقبلاً كمثال على تكرار التاريخ. المشهد يتكرر بنفس السيناريو وبنفس الحاشية وبنفس الأسلوب. طارق، الذي أمنه التهاميون وهو خائف، تحول إلى متسلط. مع حاشيته ومجموعة ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي ينقلون له صوراً تطمئنه أن الوضع تحت السيطرة ، بينما الواقع يغلي كالبركان على وشك الانفجار. السخط الجماهيري والغليان الشعبي لا تنقله شاشات التلفزة ولا وسائل التواصل، والتذمر بين القيادات التهامية لا يظهر . البركان الذي يوشك أن يلتهم ضيوف الساحل التهامي لا يدركونه.

صحيح أن بعض القيادات التهامية تستقبله بابتسامة، لكنها ابتسامة صفراء تخفي وراءها . لكل شيء وقت، ولكل بداية نهاية. فطارق الذي استخدم مخصصات التحالف لفرض أمر واقع، لن تدوم سيطرته. وحملاته العسكرية التي يداهم بها القرى تحت مسميات عناصر تخريبية لن تجدي نفعاً. هذه المصطلحات استخدمت في عهد عمه ضد الجنوبيين، ورأى الجميع النتيجة. وتهامة لن تبقى على حالها، وسينفجر البركان ليقتلع المتسلطين الجدد. الأرض لأهلها، وتهامة لن تكون إلا للتهاميين.

المشهد يتكرر والتاريخ يعيد نفسه، بنفس التفاصيل والأحداث، وبنفس النهايات التي لا تقبل إلا بإعادة الحق إلى أصحابه. طارق صالح الذي يعيش في وهم السلطة كما عاش عمه من قبله، لن يدرك الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، عندما يكون الغليان الشعبي قد تحول إلى بركان يستعيد به التهاميون حقوقهم وأرضهم.