المشهد اليمني

أمريكا وإيران .. مفاوضات تحت النار: كيف استغلت طهران أزمات المنطقة لتحقيق أهدافها النووية؟ (2-4)

الخميس 24 أبريل 2025 06:07 مـ 26 شوال 1446 هـ
صواريخ إيران
صواريخ إيران

المفاوضات النووية تتجاوز حدود الاتفاق .. في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو التطورات الميدانية في الشرق الأوسط، كانت هناك جولة تفاوضية هادئة ولكنها شديدة التأثير تجري في مسقط وخارجها بين إيران من جهة، وأمريكا وأوروبا وإسرائيل من جهة أخرى؛ الهدف المُعلن: وقف البرنامج النووي الإيراني. لكن خلف الكواليس، تجري لعبة شطرنج سياسية معقدة، فيها كل طرف يحاول اقتناص أكبر قدر من المكاسب بأقل قدر من التنازلات.

القلق الأمريكي.. تخصيب اليورانيوم يثير المخاوف

القلق الأمريكي ينبع من تقارير تؤكد أن إيران خصبت 70 كيلوجرامًا من اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تتيح لها نظريًا تصنيع قنبلتين نوويتين، بالإضافة إلى امتلاكها 400 طن من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، مما قد يمكنها من تصنيع ثلاث قنابل إضافية، ورغم أن تصنيع القنبلة يتطلب تخصيبًا بنسبة 90%، إلا أن هذه الأرقام تثير مخاوف جدية لدى الغرب من اقتراب طهران من "العتبة النووية".

إيران تستثمر الحرب.. ميليشيات المقاومة كورقة ضغط

إيران لم تطرح في المفاوضات أي شروط تتعلق بحرب غزة أو حركة حماس، وفقًا لتصريحات وزارة الخارجية الإيرانية نفسها. وبدلًا من ذلك، استغلت طهران تصاعد التوتر في المنطقة عبر دعم ميليشيات مثل الحوثيين، وحزب الله، وميليشيات عراقية، للضغط على أمريكا وإسرائيل وأوروبا للعودة إلى طاولة التفاوض.

صفقة غير مباشرة.. والنتيجة لقاء مباشر

ما جرى هو أن إيران لوّحت بإمكانية تهدئة هذه الميليشيات مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وفعليًا، انتهت المفاوضات بلقاء مباشر بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره الأمريكي، استمر 45 دقيقة وسط أجواء من "الود الدبلوماسي"، في تحول لافت بعد سنوات من الجمود.

بنود الاتفاق والرفض الإيراني

إيران وافقت على تجميد برنامجها النووي ورفع يدها عن ميليشيات المقاومة، وعلى رأسها الحوثيين الذين لا يزالون يحتفظون بقدرات عسكرية فعلية. بينما فقدت حماس التأثير، وانتقل حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وهدأت الميليشيات العراقية، وتراجعت سوريا تحت السيطرة الإسرائيلية.

لكن إيران رفضت مطلبًا أمريكيًا رئيسيًا: تفكيك برنامجها الصاروخي الباليستي، وتحديدًا صاروخ "شهاب 3" الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر ويمكنه حمل رأس نووي. والسبب؟ أن امتلاك القنبلة وحده لا يكفي، بل تحتاج إيران إلى صاروخ يستطيع حملها، وهنا تكمن أهمية البرنامج الصاروخي في عيون واشنطن وتل أبيب.

ما بين السطور.. رسائل مبطنة

النتيجة الواضحة أن إيران نجحت في توظيف الأزمات الإقليمية لصالحها، واستخدمت الميليشيات كورقة تفاوضية، ثم تخلت عنها عندما اقتربت من تحقيق مكاسب استراتيجية، مما يكشف عن براغماتية سياسية عالية تسعى من خلالها طهران للنجاة من العقوبات دون أن تقدم تنازلات مصيرية في طموحاتها النووية والعسكرية.

هل نجحت إيران في خداع الجميع؟

ما تكشفه تطورات المفاوضات الأخيرة أن إيران لعبت دورًا مركزيًا في إعادة ترتيب أوراق الصراع في الشرق الأوسط، ليس عبر المواجهة المباشرة، وإنما من خلال إدارة بارعة للنفوذ غير المباشر، فقد استخدمت جماعات المقاومة المسلحة كأدوات ضغط، ثم دخلت المفاوضات باسم "التهدئة"، لتقدم نفسها كحلّ للأزمة لا كمسبب لها، وهو ما مكّنها من الجلوس على طاولة التفاوض من موقع القوة لا الضعف.

الطرف الأمريكي من جهته كان يدرك أن إيران تقترب بسرعة من القدرة النووية الكاملة، مما جعله يقبل بالتفاوض رغم كل الضغوط السياسية الداخلية. فتجميد البرنامج النووي الإيراني –حتى إن كان مؤقتًا– بدا خيارًا أفضل من مواجهة مفتوحة لا تُعرف نهايتها.

الصواريخ الباليستية.. العقدة التي لم تُفك

تبقى النقطة الأشد حساسية في هذه الصفقة هي تمسك إيران ببرنامجها الصاروخي. فالصاروخ "شهاب 3" الذي تصر أمريكا على تفكيكه، يُعتبر بالنسبة لإيران أحد أعمدة استراتيجيتها العسكرية. وهو ليس مجرد وسيلة نقل للقنبلة النووية حال تصنيعها، بل رسالة ردع لإسرائيل وأمريكا بأن يد طهران يمكن أن تطالهم إن تعرضت لهجوم.

من هنا، تدرك واشنطن وتل أبيب أن أي اتفاق لا يشمل تعطيل الصواريخ الباليستية يبقى ناقصًا، ولهذا ظل هذا البند محل خلاف جوهري. ورغم الهدوء الظاهري، لا تزال احتمالات انهيار المفاوضات قائمة في حال أصر كل طرف على موقفه النهائي.

ما بعد عمان.. هل بدأ فصل جديد؟

اللقاء المباشر بين وزيري خارجية أمريكا وإيران في مسقط لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل يعكس وجود تفاهمات تم التوصل إليها بالفعل، تتعلق برفع جزئي للعقوبات مقابل تهدئة إقليمية تشمل الميليشيات، وتجميد –وليس تفكيك– البرنامج النووي. لكن يبقى السؤال: إلى متى ستصمد هذه التفاهمات؟

فمع كل تغيير ميداني على الأرض، ومع كل ضغط سياسي داخلي في طهران أو واشنطن، يمكن أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر. كما أن الأطراف الأخرى في المعادلة، خصوصًا إسرائيل، قد لا تكتفي بالتهدئة، وتطالب بخطوات حاسمة تحول دون امتلاك إيران للسلاح النووي، سواء عبر العقوبات أو العمل العسكري.

إيران.. بين كسب الوقت وبناء القوة

أحد أكثر الأسئلة تعقيدًا في الملف الإيراني: هل طهران بالفعل مستعدة لتجميد برنامجها النووي، أم أنها تمارس سياسة "كسب الوقت"؟ فبحسب خبراء غربيين، إيران لم تتخلَ فعليًا عن قدراتها النووية، بل وافقت فقط على تهدئة مؤقتة دون تفكيك المنشآت أو وقف التخصيب بالكامل، ما يعني أن العودة إلى التخصيب بنسبة تتجاوز 60% ممكنة في أي لحظة إذا انهارت المفاوضات.

وهذا هو جوهر القلق الأمريكي: أن التجميد لا يساوي التخلي، بل ربما يكون مرحلة مؤقتة إلى حين توفر الظروف الملائمة للإعلان عن امتلاك السلاح النووي، خاصة وأن كل مكونات القنبلة أصبحت متوفرة تقنيًا لدى إيران، ولم يتبق سوى قرار سياسي.

ماذا بعد؟ سيناريوهات مفتوحة

في ضوء هذا التعقيد، تبدو الخيارات المطروحة أمام الإدارة الأمريكية محدودة. فشنّ ضربة عسكرية على المنشآت الإيرانية سيعيد المنطقة إلى حالة الحرب الشاملة، وهو ما تتجنبه واشنطن في الوقت الحالي. أما مواصلة المفاوضات، فتحتاج إلى ضمانات دولية صارمة، وتنازلات متبادلة قد لا تكون كل الأطراف مستعدة لتقديمها.

في المقابل، تعتمد إيران على الوقت والصبر الاستراتيجي. فهي تراهن على أن تغير التوازنات الإقليمية، وتقلص النفوذ الأمريكي في المنطقة، في ظل تصاعد أزمات داخلية في واشنطن، وتغير موازين القوى العالمية لصالح قوى مثل روسيا والصين التي تدعم مواقف طهران.

خلاصة الموقف

ما يحدث اليوم في مسقط هو أكثر من مجرد مفاوضات نووية. هو اختبار لمعادلة القوة والنفوذ في الشرق الأوسط. فإيران أثبتت أنها لاعب بارع في توظيف أوراقها الإقليمية والنووية لتحقيق مصالحها، فيما تبدو أمريكا مضطرة للتفاوض من موقع أقل حدة، لتجنب التصعيد، واحتواء طموحات نووية تخرج عن السيطرة.

أما إسرائيل، التي تجد نفسها عاجزة عن كبح جماح التمدد الإيراني دون الدعم الأمريكي الكامل، فقد تجد أن الوقت ليس في صالحها، مما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات أحادية مستقبلًا إذا شعرت أن التهديد الإيراني بات وشيكًا.

ومع استمرار هذه الديناميكية، يبدو أن المنطقة لم تدخل بعد مرحلة السلام، بل مرحلة "هدنة محسوبة" تنتظر الانفجار أو الانفراج، حسب ما ستؤول إليه التفاهمات النووية القادمة.

صاروخ ”شهاب 3” وتخصيب الورانيوم والمحور .. ما الذي يهدد مفاوضات إيران وأمريكا؟ (1-4)

أمريكا وإيران .. مفاوضات تحت النار: كيف استغلت طهران أزمات المنطقة لتحقيق أهدافها النووية؟ (2-4)

هل تمتلك إيران القنبلة النووية بالفعل؟ مؤشرات ميدانية وتفسيرات استخباراتية تثير الشكوك (3-4)

منشآت نووية تحت الجبال وبرنامج موازي .. إيران والسيناريو الباكستاني «انشطارية أم هيدروجينية؟» (4-4)

صاروخ شهاب 3، التخصيب النووي، البرنامج النووي الإيراني، العقوبات على إيران، مفاوضات إيران وأمريكا، السياسة الإيرانية، النفوذ الإيراني، التهدئة في غزة، الحوثي، سلاح الردع الإيراني، قوى المقاومة، طاولة المفاوضات، التطورات النووية، الأزمة النووية الإيرانية، السلاح النووي الإيراني، التهديدات الإيرانية، مفاوضات عمان.
برنامج إيران النووي، التجميد النووي، مفاوضات مسقط، التوتر في الشرق الأوسط، العقوبات على طهران، الاتفاق النووي الجديد، تخصيب اليورانيوم، شهاب 3، الردع الإقليمي، الميليشيات المسلحة، النفوذ الإيراني في المنطقة، حماس، الحوثي، حزب الله، إيران وأمريكا، النووي الإيراني، سلاح نووي إيراني، أزمة الخليج
إيران، النووي الإيراني، تخصيب اليورانيوم، شهاب 3، أمريكا، إسرائيل، مفاوضات مسقط، الحوثيون، حزب الله، حماس، العقوبات الاقتصادية، البرنامج الصاروخي الإيراني، سلاح نووي، الشرق الأوسط، سياسة إيران، التهديد النووي، صواريخ باليستية، صراع أمريكا وإيران