الجوع المميت

يتداول اليمنيون عبارة لا أحد يموت من الجوع! لكن هذه القاعدة لم تصمد طويلا فلقد مات الناس من الجوع على قاعة الطريق. وأعتقد أن الصور والمشاهد في هذا البلد تتحدث بلغة مفهومة جدا للجميع، ولم تعد الكتابة مجدية فالصورة أبلغ تعبير..
10 سنوات من الضياع والعبث، والفقر والجوع، وغياب الدولة، لا شك أنها أجهزت على أسباب الحياة، وألجأت الناس إلى الموت غرقا، بحثا عن أي حياة، أو الموت جوعا، أو الجلطات المفاجئة، أو السكتات القاتلة.
ولا مخرج إلا بعودة الدولة واستكمال مشروع التحرير..
هذا المصير -بلا شك- هو مخرجات المشروع الكهنوتي الذي رفضه الناس منذ اللحظة الأولى، وقالوا فيه كل شيء. مشروع منبوذ من الجميع، وقد قرر الناس مواجهته ورفضه، فلا يحتاجون من يشرح لهم جور المحتل ولا ظلمه، ولا أن يكتفي بالنواح..
وهنا من الطبيعي أن يبحث الناس عن المخرج، وأن يقفوا على مكامن الخلل وعوامل استمرار هذا الوضع لعقد من الزمن، والدخول في عقد جديد..
وهنا من الطبيعي أن يسألوا عن الخلل، هل هو في الميدان وقلة الرجال، وعزوف اليمنيين عن قضيتهم؟ أم أن الخلل في الإدارة والقيادة ؟
أي عاقل سيستبعد مباشرة الشق الأول من السؤال، وسيبقى السؤال الثاني محل النقاش. وهنا سيجيب الشعب كله والعالم والحجر والشجر.. بأن المشكلة في القيادة والإدارة.
وأمام هذا، وبعد كل تضحياتهم، بربكم من يخاطب الناس ويعاتب، مادام المشكلة معروفة، ومصدر الفشل معروف، فمن الطبيعي أن أي شخص يحب وطنه ويحرس قضيته، أن يرفع صوته وأن يحاسب ويعاتب المعنيين، الذين تركوه يقاوم لوحده، ويموت لوحده، ويواجه التحديات لوحده، ومن حق المعنيين أن يوضحوا أو يبرروا أو يعترفوا.
لكن أن نطلب من الناس الذين يموتون ويعرون ويفقرون ويضيعون أن يراعوا مشاعر المعنيين بالأمر، وأن يكتفوا بالأنين فهذا يصادم العقل والمنطق، ويتماهى مع مشاريع التسليم والتفريط..
ما الذي ستخسره القضية الوطنية المقدسة التي يلتف حولها كل اليمنيين ويدعمها العالم ويعترف بها، حينما يسأل الناس عن الحلول والمخارج؟ وما العيب الذي سيلحق بالمشروع الوطني حينما ترتفع الأصوات المطالبة بجرد 10 سنوات..؟
أين المصلحة العليا للشعب؟ هل في تحقيق مخرج لهم، أم في التزام الصمت والموت على أي رصيف؟!.