تسريب مكالمة تاريخية بين عبد الناصر والقذافي تكشف تفاصيل خطيرة حول القضية الفلسطينية

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلًا صوتيًا مسربًا يُعتقد أنه لمكالمة هاتفية جمعت بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
التسجيل يفتح نافذة على نقاشات سياسية حادة وحساسة، حيث تطرق الجانبان إلى قضايا شائكة تتعلق بالقضية الفلسطينية وميزان القوى العسكري في المنطقة.
في بداية المكالمة، طلب القذافي من عبد الناصر تشكيل قوة عسكرية موحدة هدفها "تحرير فلسطين بالكامل"، لكن عبد الناصر رد بواقعية مريرة، مشيرًا إلى أن موازين القوى ليست في صالح العرب، وأن من يريدون الحرب عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم بأنفسهم.
قال عبد الناصر: "إذا كان حد عايز يكافح.. يكافح، وإذا حد عاوز يناضل.. يناضل"، لكنه أضاف أن الحديث عن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر أصبح غير واقعي في ظل الدعم الأمريكي والدولي لإسرائيل.
عبد الناصر: العراق يحاربنا سياسيًا
عبد الناصر تحدث بوضوح عن الضغوط السياسية التي تعرض لها خلال تلك الفترة، خاصة من قبل العراق الذي اتهمه بـ"خيانة القضية الفلسطينية".
وأوضح أن العراقيين كانوا يروجون لفكرة أن عبد الناصر "أعطى الضفة الغربية والقدس لليهود"، وأن هذه المناطق ستصبح عرضة للتهويد الكامل في غضون سنوات قليلة.
وقال عبد الناصر: "ممكن الفدائيين يجوا يقتلوني... لأنهم بيقولوا عبد الناصر خان وسلم في قضية فلسطين".
كما تطرق إلى اتفاقية الجلاء مع الإنجليز في عام 1954، حيث تعرض لهجوم شرس ومحاولة اغتيال بسبب توقيع الاتفاقية.
وأكد أن الموضوع الشخصي لا يعنيه، بل كان تركيزه دائمًا على المصلحة الوطنية، قائلاً: "الإنجليز ماشيين من البلد وهنا الموضوع الشخصي ما يهم أبدا".
"هنحرر ولا هنعمل هيحصل زي 48"
في إحدى الفقرات الأكثر إثارة في التسجيل، تحدث عبد الناصر بصراحة عن استحالة تحقيق انتصار عسكري كامل على إسرائيل في ذلك الوقت.
قال: "اللي بيقول هنحرر، لا هنحرر ولا هنعمل هيحصل زي 48"، مشيرًا إلى أن فكرة تحرير الضفة الغربية أو حتى فلسطين بأكملها أصبحت بعيدة المنال في ظل الدعم الدولي الكبير لإسرائيل. وأضاف: "كيف هيحرر العراق بميزانية 70 مليون جنيه؟ كان يكون أسهل يا أخ معمر".
دعوة للدول العربية: "اللي عايزين قتال يتفضلوا"
وجه عبد الناصر دعوة مباشرة للدول العربية التي تتحدث عن الحرب ضد إسرائيل بأن تتحمل مسؤولياتها بنفسها.
قال: "اللي عايزين قتال وتحرير اتفضلوا، الجزائر وسوريا والعراق وياسر عرفات وجورج حبش اتفضلوا اجتمعوا وإحنا هنقاطع الاجتماع وحاربوا وأنا مستعد أعطيكم 50 مليون جنيه معونة".
وأكد أن مصر ستبقى مركزة على جبهتها الغربية وسيناء فقط، قائلاً: "سيبونا أحنا في جبهتنا الغربية وسيناء".
"مشكلتي عاوز أحرر الضفة الغربية"
تحدث عبد الناصر عن الصعوبات الهائلة التي تواجه العرب في أي محاولة لاستعادة الأراضي المحتلة. قال: "بنرجع الأرض اللي فقدناها في 67 وبعدين نشتغل عشان نرجع الأرض اللي فقدناها سنة 48، أما عشان نوصل إلى تل أبيب قصاد كل الدول الكبرى وخاصة أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا والعالم كله اللي بيقول إسرائيل يجب أن تحتفظ بهذه الأرض لأن إسرائيل مهددة بالعدوان من العرب".
وشدد على أن العرب إذا أرادوا تحقيق أي هدف، عليهم أن يكونوا واقعيين ويخططوا بشكل جيد لتحقيقه.
اليهود "أشطر" من العرب
رد القذافي على عبد الناصر قائلاً: "ونحارب الدنيا كلها، وخلاص إذا نحنا مش قادرين على البقاء". لكن عبد الناصر رفض هذا الرأي، مؤكداً أن اليهود "أشطر" من العرب في التخطيط والاستراتيجية.
قال: "اليهود خططوا على 25 سنة، أخذوا فلسطين كلها، من 47 أخذوا التقسيم و48 أخذوا أكثر من التقسيم و56 أخذوا سيناء وضموها ورجعوهالنا تاني و67 أخذوا بقية فلسطين كلها".
وتابع: "إحنا بنقعد نخطط ورأيي دلوقتي لو قدرنا نأخذ الجزء ده نأخذه بصرف النظر وبعدين بنخلق مواقف بنسترد الباقي".
"لم يعطونا طيارين"
انتقد عبد الناصر بشدة الدول العربية التي لم تقدم الدعم الكافي لمصر خلال حرب الاستنزاف. قال: "قلت لبومدين أنا مش عايز طائرات أنا عاوز طيارين"، مشيراً إلى أن الاتحاد السوفيتي أعطى مصر 16 طائرة فقط بدلاً من 40 طائرة كان قد وعد بها.
كما أشار إلى الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مصر خلال السنوات الأخيرة، قائلاً: "مفيش استنزاف من جانب واحد، في استنزاف واستنزاف مضاد".
"ليس لنا دخل في القضية الفلسطينية"
في نهاية المكالمة، أكد عبد الناصر على أن مصر لن تتورط في أي صراعات جديدة خارج حدودها. قال: "إحنا لن نتصرف في أي شيء وإحنا هنتفق نتكلم عن سيناء ليس لنا دخل في القضية الفلسطينية ولا في الحدود الآمنة ولا في أي شيء".
ووجه رسالة حادة للقذافي ولبقية الزعماء العرب: "دلوقتي الموقف بهذا الشكل، إحنا الوحيدين اللي بنحارب وبتقولوا لنا اتفضلوا حاربوا، وهتحاربوا اليهود ويضربوا فيكم، وكمان هتحاربونا مع اليهود".
التسجيل المسرب يعكس بوضوح التوترات والخلافات بين الزعماء العرب في تلك الفترة، ويسلط الضوء على الواقعية السياسية التي كانت تسيطر على قرارات عبد الناصر، رغم الاتهامات التي وجهت إليه وقتها.