الأربعاء 30 أبريل 2025 12:51 صـ 2 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

لعبة جديدة من الصين للسيطرة على الاقتصاد العالمي

الثلاثاء 29 أبريل 2025 08:24 مـ 2 ذو القعدة 1446 هـ
الصين
الصين

في عالم تتغير ملامحه دون صوت مدافع، تشن الصين حربًا صامتة لكنها فعالة، حربًا لا تحتاج إلى جيوش أو صواريخ، بل إلى أدوات أذكى وأهدأ تُحدث الأثر نفسه أو حتى أقوى. تُعرف هذه المواجهة باسم "الحرب الرمادية"، وهي الاستراتيجية التي تتقنها بكين ببراعة مدهشة، وتستخدمها لكسب المعارك السياسية والاقتصادية بعيدًا عن ساحة القتال التقليدي. المشهد العالمي يتبدل أمام أعين الجميع، حيث لم يعد الانتصار يقاس بعدد الطائرات، بل بذكاء التخطيط وقوة النفوذ الناعم.

استنزاف الخصوم عبر مفاجآت محسوبة

بدلاً من الاشتباك العسكري، تعمل الصين على تقويض خصومها بخطوات مدروسة تؤدي إلى إنهاكهم ببطء. تعتمد على استخدام مفاجآت تكتيكية مدروسة تؤثر في الاقتصاد والسياسة دون إعلان حرب. هذه الأساليب، رغم هدوئها، غالبًا ما تتجاوز في تأثيرها الأزمات العسكرية التقليدية، إذ تُحدث تغييرات جوهرية في موازين القوى العالمية وتفاجئ حتى أقوى الدول.

تفوق صناعي وتكتيك اقتصادي يهز الأسواق

الصين اليوم تسيطر على ما يزيد عن 31% من الإنتاج الصناعي العالمي، وتستخدم هذا التفوق كأداة ضغط ضد الولايات المتحدة. من خلال فرض رسوم مضادة وتقنين صادرات المواد الأولية، تؤثر الصين على سلاسل الإمداد الأميركية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتفاقم معدلات التضخم. هذه الحرب الاقتصادية غير المعلنة باتت تؤثر على الأسواق والبورصات وتدفع واشنطن لإعادة تقييم علاقاتها التجارية.

احتكار المعادن النادرة وسلاح استراتيجي صامت

من بين أدوات الحرب الرمادية، تبرز هيمنة الصين على 80% من إنتاج المعادن النادرة التي تُعد شريانًا رئيسيًا للصناعات العسكرية والتكنولوجية. هذه الهيمنة تمنح بكين ورقة ضغط قوية على الولايات المتحدة، إذ تؤثر بشكل مباشر على إنتاج الرقائق الدقيقة والطائرات والأنظمة المتقدمة. هذا الاحتكار لا يقل خطرًا عن أي تهديد عسكري مباشر، بل يعمّق الهوة بين البلدين في سباق التفوق التكنولوجي.

ضرب الدولار وتوسيع نفوذ اليوان

ضمن خطة طويلة الأمد، تعمل الصين على تقليص هيمنة الدولار الأميركي عبر اتفاقيات تبادل عملات وتمدد في تسعير السلع العالمية باستخدام اليوان. كما تسعى لإنشاء منصات مالية بديلة للنظام المالي العالمي التقليدي مثل "سويفت"، ما يُعد خطوة جذرية في إعادة توزيع النفوذ النقدي في العالم. هذه الاستراتيجية لا تهدف إلى إسقاط الدولار دفعة واحدة، بل إلى تقويضه تدريجيًا، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

ضغوط ناعمة وتعقيد بيئة الشركات الأميركية

الصين لا تكتفي بالأدوات الاقتصادية والتجارية، بل تستخدم سياسات داخلية للضغط على الشركات الأميركية، من خلال سن قوانين مفاجئة أو تأخير إصدار التراخيص، مما يجعل البيئة الاستثمارية غير مستقرة ويؤثر على أرباح الشركات الكبرى. هذا الضغط غير المباشر يُربك الخطط الأميركية في الأسواق الآسيوية ويقلل من قدرة واشنطن على التأثير.

الهيمنة على أسواق المستقبل وتوسيع النفوذ الناعم

الصين تستثمر بقوة في مجالات الطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة، حيث تنتج 90% من الألواح الشمسية عالميًا وتسيطر على أكثر من 75% من بطاريات السيارات الكهربائية. هذا التفوق يمنحها موقعًا محوريًا في تشكيل مستقبل الطاقة العالمي. إضافة إلى ذلك، تستخدم الصين أدوات ناعمة مثل مراكز التعليم والثقافة ومبادرة الحزام والطريق، لتوسيع نفوذها ونسج تحالفات جديدة مع الدول النامية بعيدًا عن قبضة واشنطن.

صراع لا يُحسم بالسلاح

بينما تواصل بكين تنفيذ استراتيجيتها الرمادية بصبر وثبات، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام معركة غير تقليدية، لا تُخاض بالأسلحة بل بالعقول والخطط بعيدة المدى. في هذا المشهد الجديد، لم يعد التفوق مرتبطًا بالقوة النارية، بل بالقدرة على التسلل والسيطرة من دون مواجهة مباشرة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع واشنطن مجاراة بكين في لعبتها الجديدة؟