المشهد اليمني
الأحد 8 سبتمبر 2024 03:00 صـ 5 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
الجميع ينتظر.. تسريب يكشف المعالج الذي اعتمتده أبل في آيفون 16 عودة سعود آل سويلم إلى النصر تثير المخاوف.. ورفض قرار لبن نافل في الهلال وخيبة أمل لجمهور الزعيم مقيم بالسعودية يقتل زوجته ووالدتها في مكة المكرمة.. والكشف عن جنسيته عاجل.. اتحاد غرب آسيا يقصي منتخب اليمن للناشئين من البطولة عاجل: جماعة الحوثي تعلن إسقاط ”ثامن” طائرة أمريكية نوع MQ_9 في أجواء محافظة مارب الشرعية تدين اقتحام منزل شيخ وقيادي بارز بحزب الإصلاح في صنعاء أول شركة سعودية تقلص دوام موظفيها إلى 4 أيام أسبوعياً براتب كامل.. شاهد ردة فعلهم أبل تطلق هواتف آيفون 16 بشريحة ذكاء اصطناعي .. ما مميزاتها؟ أفراد لواء عسكري في تعز يحتلون شقق سكنية ويرفضون الإخلاء رغم أوامر المحكمة وناشطة تناشد الجميع: انقذوا أهلي ”شاهد” طيران بلقيس تطالب بتشكيل لجنة رئاسية عاجلة وتصف وزير النقل بالمتشنج وتلوح بورقتها القوية ”إفلاس بنك اليمن الدولي”.. أول بيان للبنك يكشف الحقيقة ولماذا يواجه أزمة سيولة؟ العراق يتدخل بشكل حاسم وينقذ اليمن من ضربة سعودية كادت تخسره التأهل

حديثٌ مع النفس، ومعكم

التفكير؛ بل السعي في تحصيل المعرفة بمنأىً عن معرفة النفس، صبيانية مبالغ في إثباتها، لا تعود على صاحبها بالسعادة، وإن انعكست سعادتها على من سواه من العوام أو غير ذي تخصص، أو بشكلٍ أدق : مصالحها. يتحدث المسيري عن اللقاء الذي جمعه وأبو القنبلة الذرية روبرت أوبنهايمر، إذ وجه إليه سؤالًا مفاده: ماذا فعلت بعد اكتشاف المعادلة التي أدت إلى تطوير القنبلة الذرية؟

-حينما وصلت إلى هذه المعادلة تقيأت!

لنا أن نسأل بدورنا لماذا تقيأ هذا العالم الذي وصل الذروة، ذروة المعرفة العسكرية، وإن شأت فقل القوة التدميرية التي لا ضريع لها في الكون، هل لأنه كان واعيًا حينها، وقبل ذلك لم يكن كذلك مثلاً؟ اعتقد ذلك، فالإنسان لا يتأكد من حقيقة وعيه إلا إذا خاض عكسه، حينها تظهر النتوءات، وتتعرى الصور، التي كانت في السابق قلاعًا صلبة ثم تستحيل قلاعًا فارغة. السر هنا في جهل الإنسان العالِم بما دون نفسه، المتفرغ للمساوقة المجتمعية أو السياسية، وفي القلب منهما المسألة الثقافية، التي تضغط على الروح الفردانية في أن تكون نفسًا، وحين تكون على منحىً معيّن، تعاود النكوص، ويتقيأ صاحبها، لأنها لم تكن من قبل أصلًا. من لا يستطع استبصار بواطنه، فهو أعجز من استظهار العالَم في صواب المستقبل. إنني أرى في صاحب كتاب "روح القوانين" الفيسلوف الفرنسي مونتسكيو مالا أراه في صانع القنبلة الذرية، فقد قال منتسكيو مرة ولله در ما قال: " لو خيرت في أمرٍ يرفع من شأن فرنسا ولكنه يضر بالإنسانية لرفضته ولما انحزت إليه، ذلك أني فرنسي بالصدفة إنسان بالضرورة." هنا تتجلى الذات العاقلة، ولا تتقيأ، لأنها قبل أن تتقدم خطوة للأمام غرض التنافس والتشرف بجدها واجتهادها في ضِلال البحث، كانت أولًا ذاتًا مبحوثة، مدروسة قبل أن تكون دارسة، ثم كانت على بصيرةٍ من لدنها، دون دوافعٍ صغروية، أو نوازعٍ ثانوية. ما قيمة أن تستظهِر منجزاً ليس لك منه إلا الظهور والتعاسة بعد ذلك، وربما في الإبَّان كحال اوبنهايمر وأمثاله من أساتيذ اليأس؛ هذا اليأس الذي يفصح من تلقائه عن جهالة مكنونة في الأعماق، أعماق من يعتقد اتباعهم أنهم أوفوا على الغاية، وبمجرد أن تراهم في اعترافاتهم التي خطوها، بل في حياتهم التي عاشوها، تدرك تمامًا مدى الضحالة التي تلبستهم وتلبسوها، ومدى الانفصام المخيف بين ذاتهم المجهولة بالنسبة إليهم وبين كلماتهم المشهودة بين الناس. خذوا حياة فردريك نيتشه نموذجًا، وخذوا اعترافات روسو نموذجًا ثانٍ، ولكم أن تنظروا إلى المعجبين بهما دون فرزٍ أو تمحيص بين القول الصاعد من لدنهما، وحقائقهما الهابطة، ستجدون جحيمًا حياتيًا كلما اقتربتما منهما، وتعاليًا مفضوحًا كلما رأيتموهما، على أنهم يصرخون في خلواتهم كما صرخ من قبلهم نيتشه حين رأى الحصان، ثم غاب في ظلمات عقله عشر سنين حتى وافاه الأجل!

إذا كانت الحياة بحثٌ عن معنى أو اكتئاب، فالمعنى قد يكون اكتئابًا أخطر من الاكتئاب ذاته، ذلك أن الغرض الرئيس من المعنى ليس المعنى فحسب، وإنما السعادة، وهذا غرض الحياة بعرضها، وعين سعينا الحثيث الذي لا يتوقف فيها حتى يقِفه الموت، فما قيمة المعنى الذي يورثنا اكتئابًا؟

لعلي هنا أفرق بين معنى وآخر: معنً يكون الاكتئاب نتيجة للجهل بحقيقة الذات، ومعنً آخر يكون الاكتئاب فيه لحقيقة معلومة خارجة عن الذات، فأن يكون مصير غاندي القتل، أو الاكتئاب في خضم استنهاض الأمَّة الهندية ورفع النير عن كاهلها، مختلفًا تمامًا والمعنى الناشئ في من عللة، كحال فردريك نيتشه وروسو!.

كنت قد وقفت على عبارة لروسو في كتابه : (أصل التفاوت بين الناس): " يبدو لي أن معرفة الإنسان هي أنفع جميع المعارف البشرية وأقلها تقدمًا، وأجرؤ على القول بأن الكتابة الوحيدة على معبد دلف كانت تشتمل على حُكمٍ أهم وأصعب من جميع كتب علماء الأخلاق الضخمة". كما وقفت على عبارات أخرى، خاصة في كتابة " التربية" والذي يربو على ألف صفحة، كذا لحال مع فردريك نيتشه، الذي دبج عباراتٍ من ذهبٍ، تضوَّء الذات، وتبعث على الوعي، إن لم تبعث الوعي، ولكن هل المقَّول هو عين الفعل، أم أن المقول تغطية أخرى وتعمية جديدة؟ لا اعتقد أننا بصدد إجابة على هذا السؤال، لأن حياة نيتشه وروسو إجابة شاملة، تكمن شموليتها في الأستاذية التي خولتهم في اغتيال ذواتهم، وفي التنافسية التي لا تجعلك ترى ما يجب أن تراه، ولكنها تسهم في توجيه رؤيتك لما تريد أنت فقط أن تراه. ثم أن روسو في طرحه أعلاه يُجيب وبشكلٍ صارخ" أهم وأصعب من جميع كتب الأخلاق الضخمة"، بمعنى أن السيرورة الفاعلة التي قامت عليها الكتابة في معبد دلف أجلّ من كتبٍ لم تقم على سيرورة فعل، ولكنها قامت على أهواءٍ نفسية، أو انطباعاتٍ شخصية، لم تكن فاعلة في قائليها أو كاتبيها، ولن تكن فاعلة في غيرهم إلا من حيثية فلسفية غاية في الترهل: نهدم لكي نبني!

لا أدري كيف يكون العاقل عاقلًا وهو يهدم معبده في سبيل بناء معبد غيره، والمثال في هدم الإنسان أبلغ، على فرض إن ما بني في جدار الإنسان الآخر أعمق، ولكنني لا أرى ذلك، ولست مقتنعًا ببناء بيتي على يديَّ من هدم بيته، ولست مصدقًا أيضًا ولا مقتنعًا إن كل ذلك البناء كان بناءً!

لنبدأ من أساس المعرفة، ولنبني عليها، فقد بقيت فترة لابأس بها اتنازع ونفسي في تخصص المستقبل الذي طال، وأرجو أن يرى الأفق قريبًا، فوجدتني في علم النفس ودخائلها، أعظم من الفلك وكواكبه، أو ظواهر العلوم وخوافيها، إذا ما كنت ولابد في وحشةٍ من حقيقتي التي تنهشني، إن لم تصدمني بين فينة وأخرى. لست مسؤولًا عن العالم ولن أكون، مالم أكن قبل ذلك مسؤولًا عن هذا القاع الذي لا قاع له، كما أنني لست سعيدًا حتى أراني كما أنا، عاريًا، جائعًا، متخلصًا من أدراني الخفية وأدران الناس العلنية والخفية أيضًا. المعرفة الحقيقية هي ركضٌ داخلي، أكثر منها ركضٌ في الخارج، وهي خلاصة ما أريد أنا، حين أصل إلى هذه الخلاصة التي لا يريدها أحد.

بحق السماء من يريد لكم أن تكونوا أنتم؟

حتى أنفسكم لا تريد ذلك!