المشهد اليمني
الأحد 8 سبتمبر 2024 03:29 صـ 5 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
الجميع ينتظر.. تسريب يكشف المعالج الذي اعتمتده أبل في آيفون 16 عودة سعود آل سويلم إلى النصر تثير المخاوف.. ورفض قرار لبن نافل في الهلال وخيبة أمل لجمهور الزعيم مقيم بالسعودية يقتل زوجته ووالدتها في مكة المكرمة.. والكشف عن جنسيته عاجل.. اتحاد غرب آسيا يقصي منتخب اليمن للناشئين من البطولة عاجل: جماعة الحوثي تعلن إسقاط ”ثامن” طائرة أمريكية نوع MQ_9 في أجواء محافظة مارب الشرعية تدين اقتحام منزل شيخ وقيادي بارز بحزب الإصلاح في صنعاء أول شركة سعودية تقلص دوام موظفيها إلى 4 أيام أسبوعياً براتب كامل.. شاهد ردة فعلهم أبل تطلق هواتف آيفون 16 بشريحة ذكاء اصطناعي .. ما مميزاتها؟ أفراد لواء عسكري في تعز يحتلون شقق سكنية ويرفضون الإخلاء رغم أوامر المحكمة وناشطة تناشد الجميع: انقذوا أهلي ”شاهد” طيران بلقيس تطالب بتشكيل لجنة رئاسية عاجلة وتصف وزير النقل بالمتشنج وتلوح بورقتها القوية ”إفلاس بنك اليمن الدولي”.. أول بيان للبنك يكشف الحقيقة ولماذا يواجه أزمة سيولة؟ العراق يتدخل بشكل حاسم وينقذ اليمن من ضربة سعودية كادت تخسره التأهل

طقوس الحج وشعائره عند اليمنيين القدماء (الحلقة الخامسة)

محظورات الحج
للحج عند اليمنيين القدماء آدابُه الخاصّة به، كشعيرةٍ مقدسة، يجب ألا يتخللها ما يستوجبُ غضب المعبود. ويبدو أنّ ثمة قوانين صارمة قد وُضعت بحق من يخلُّ بآدابِ الشّعيرة المقدسة.
يذكر أحد النُّقوش مثلا أنه إذا حدث أن جَرَحَ أحدهم آخرَ خلال زيارة معبد "حلفان" فينبغي أن يدفعَ أرشًا بعد القسامة "اليمين"؛ فإذ سال الدم على الملبس في جرح في اليد فعليه أن يدفع مبلغًا مُعيّنًا لسدنةِ المعبد، ومبلغًا آخر للكهان، وإذا لم يسل الدم فعليه أن يدفعَ مبلغًا أقل من ذلك. انظر: أوراق في تاريخ اليمن وآثاره بحوث ومقالات، سابق، 50

وذكرت الباحثة الدكتور أسمهان الجرو قائمة بمحظوراتِ الحج، وهي:
1ــ يحظر الإله تألب على الحجاج في منطقته دفع الرسوم الضريبيّة.
2ــ يحظر رعي الماشية عمدًا في يوم "ت ر ع ت".
3ــ يحظر صيد الوعول الحوامل والمرضعات.
4ــ يحظر سَوق الناقة بطريقة تسبب لها الأذى في فترة الإحرام.
5ــ يحظر على "سمعي" عمل كمائن صيد في فترة الحج.
6ــ يحظر الجماع أثناء الحج، وهناك عدة نقوش تزكي هذا الحظر؛ إذ يعدُّ الجماع في الحج خطيئة يستوجب عليها التكفير والاعتراف العلني بالذنب.
7ــ يحظر على سكان "ر هـ ب ت" من التباهي بالآباء في يوم "ت ر ع ت".
8ــ يحظر النزاع أثناء الحج. انظر: دراسات في التاريخ الحضاري لليمن القديم، سابق، 173.
9ــ حظر قيام المرأة بشعائر الحج وهي حائض، كما في النقش: CIH 533/3-5. انظر: الحج في الفكر الديني، 208.
ونتوقفُ هنا عند فلسفة هذه النواهي والأوامر التي أقرتها شعيرةُ الحج اليمني قبل الإسلام بأبعادها الروحية والحضارية، والتي وافقتها تعاليم الشريعة المحمديّة بعدها بمئاتِ السنين، سواء كانت الموافقة كليّة أم جزئيّة.

ففي أيامِ الحج إلى مكة المكرمة في تشريعاتِ الفقه الإسلامي يُحظر الصّيد، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) المائدة:95. وهي إشارةٌ إلى أهميّة الحفاظ على التنوع البيئي الحيواني الذي تنظمه القوانينُ المعاصرة في مختلفِ دول العالم المتحضرة، وحفاظا عليها من الانقراض؛ لأن الصّيدَ لو لم يُحرّم لانقرضت هذه الحيوانات في موسم أو موسمين فقط، ولأصبحت جميعًا في خبر كان، خاصّة مع كثرة أعداد الحجيج. ومثل هذا تحريم قطع الأشجار والنباتات وما في حُكمهما.

كما يُحرمُ أيضًا الرفث "الجماع" أثناء تأدية فريضة الحج، ويُحرم أيضًا الجدل "النزاع" أو أية أعمالٍ مخلةٍ بالآداب، وصفت بالفسق: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)؛ حفاظا على الذوق العام، وتأكيدًا أكثر على أهميّة الجانب الروحي الذي يسمو على الجانب المادي في حياة الإنسان. ومَن أخلّ بواجبٍ من واجباتِ الحج لزمته الفدية، أو العقوبة المحددة.
وقد ورد حظر تحريم الجماع في النقش:RES 4176/ 7 ؛ حيثُ يستمر هذا الحظر حتى يفيضَ الحجاجُ من مكانين، هما: "ث م ث" و "أ ت م ن". إنّ الإفاضة والوقوف في هذين المكانين كانا من أعمال الحج في العربيّة الجنوبية. نفسه، 207.

ويحكي النقش: CIH 533 أنَّ رجلا قدم كفارة، وأعلن التوبة؛ لأنه جَامَعَ امرأته في اليومِ الثالثِ من الحج. انظر: التشريعات في جنوب وغرب الجزيرة العربية، سابق، 180. وانظر أيضا: الهوية الحضارية في النُّقوش العربيّة القديمة، سابق، 329.
وإلى جانبِ هذا النقشِ في هذا الموضوع، فثمة نقوشٌ أخرى تشيرُ إلى توبةِ أصحابها العلنيّة من خطاياهم التي اقترفوها.
يشيرُ البندُ الرّابع "يُحظر سَوق الناقة بطريقة تُسبّبُ لها الأذى في فترة الإحرام" إلى مسألةٍ مهمةٍ في "حقوق الحيوان" وهي من السلوكيّات الحضاريّة التي لم يعرفها الغرب إلا في القرن العشرين، فيما هي في اليمن منذ ما قبل الميلاد. وقد تعامل اليمنيُّ مع الحيواناتِ الأليفةِ والداجنةِ قريبًا من تعامله مع بني البشر، فأسكنها داره، وسمّاها كما يسمّي أبناءه، ورعاها بعنايةٍ خاصّة.

ويشيرُ البند السّابع في قائمةِ المحظوراتِ إلى مسألةٍ مهمة، هي جوهرُ ولبُّ التشريعات السَّماويّة، وهي مسألة المساواة بين الخلق؛ إذ يعدُّ التفاخرُ بالأنسابِ والأحسابِ عملٌ طفوليٌّ جاهليٌّ، لا يمتُّ للإنسانيّة بصلة؛ لهذا دعت التعاليمُ الدينيّة ــ في كل الشّرائع ــ إلى ترك هذا الداء.

وقد خُصّصت قائمة بالأعمالِ المحظورة التي كانت تُنقشُ على ألواحٍ حجريّةٍ طويلة، وتوضعُ في أماكنَ مختلفةٍ من المعبد، وفي مداخل الطرق التي تؤدي إليها. كما نُقشت تعاليم أخرى تحضُّ الحجاج على الآداب العامة، وحفظ السكينة والوقار، والتزام الآداب أثناء ممارسة شعيرة الحج، وتعاليم أخرى أيضا.
وبالجملة فإن هذه التعاليم بقدر ما هي تعاليم دينيّة، هي أيضًا تشريعاتٌ مدنيّة حضارية، تعكس ــ فيما تعكسُ ــ رقيَّ المجتمع التشريعي نفسه، وخاصة في ذلك الزمن القديم الذي لم تكن قد شاعت فيه مثل هذه المفاهيم، وللقارئ أن يتخيلَ أن يتم تدوين نقش خاص بحادثة يسيرة في الحج، تتمثل في إصابةِ أحدِ الحجاج بجرح في أحد المعابد، كما في النقش CIH82، ويبدو أنّ ذلك بسببِ ازدحام موكب الحجيج. انظر: الحج في الفكر الديني، سابق، 120.