المشهد اليمني
الخميس 19 سبتمبر 2024 02:22 صـ 15 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

لا داعي للثور!

قبل أكثر من عشرين عاما عندما زوج شيخ بلادنا " بني مبارك " ابنته إلى منطقة بعيدة أقام لها أكبر عرس في البلاد.!
يومها رأيت كل أهل قريتنا والقرى المجاورة في العرس.!
ومع هذا فقد كان الغداء فاخراً، وحزم القات تم توزيعها على الجميع، وكذلك المشروبات الغازية والمياه المعدنية.!
في اليوم الثاني كنت من ضمن من أختارهم الشيخ لنذهب ضيوفاً إلى أصهاره الجدد.
ولأن تلك المنطقة بعيدة فقد تجمعنا بعد الفجر مباشرة عند بيت الشيخ، كنا في خمس سيارات، والسيارة السادسة تحمل ثور الضيافة وبعض الغنم، وسيارة سابعة مخصصة للقات.!
بعد دقائق من تحركنا سمعنا من خلفنا يصرخون:
ــ الثور قفز وهرب.!
توقفنا وانطلقنا نطارد الثور بين الحقول، يختفي الثور بين الزرع ثم يظهر، والمصيبة أنه كلما اقترب أحد منه كلما قام بنطحه، لقد أصاب عدة أشخاص بجروح طفيفة.!
بعد ساعة من المطاردة تمكنا من الإمساك بالثور وإعادته إلى السيارة.
واصلنا مسيرنا وعندما وصلنا وادي عنة قرر الشيخ أن نتوقف لتناول الإفطار .
جلسنا على حافة الوادي تحت ظلال الأشجار وبدأنا نتناول الفطور.
رمقت هاتف الشيخ، كان الوحيد الذي يمتلك هاتفا جوالاً في المنطقة وتساءلت في نفسي:
ــ هل سيأتي يوم وأمتلك هاتفاً مثله ؟!
وقطع علي شرودي ثغاء الغنم كأنها تستغيث، قال الشيخ:
ــ الثور يدعس الغنم أبعدوها عنه قبل أن يقتلها.
وانطلق ثلاثة من الشباب إلى السيارة لكنهم ما إن فتحوا الباب حتى قفز الثور وهرب مجدداً.!
وانطلقنا خلفه بملابسنا الفاخرة وسلاحنا، نخوض في الأوحال والطين، ودخل الثور إلى أحد الحقول واختفى تماماً.
جاء بعض المهمشين " الأخدام " الذين يسكنون في الوادي فأعطاهم الشيخ بعض النقود وطلب منهم مساعدتنا في البحث عن الثور:
ــ ثور كبير أبيض دخل في ذلك الحقل واختفى، ومن يأتي به له جائزة.
بحثنا في الوادي كله ولكن دون جدوى، لقد اختفى تماماً.
شخصيا تعثرت في أحد الحقول وغاصت قدماي في الطين لكنني تماسكت ونهضت فوجدت ثيابي قد اتسخت وقدمي قد التوت فتركتهم يبحثون عن الثور وعدت وأنا أعرج إلى النهر لأغسل ثيابي التي توسخت وأجففها.
حين عدت إلى الشيخ وجدته يحدث مجموعة من كبار السن عن هاتفه " الرنان " وكيف أنه يستطيع أن يتصل به حتى إلى أمريكا وروسيا، حينها قاطعه مسن:
ــ هذا من علامات القيامة يا شيخ، إذا نطق الحديد وقرب البعيد قامت القيامة.!
قبيل الظهر تم العثور على الثور بعد أن غرزت قوائمه في طين أحد الحقول، لم يستطيعوا إخراجه إلا بعد جهد جهيد، وعاد الرجال إلى النهر يغسلون ثيابهم.
قال الشيخ:
ــ إذا تحركنا الآن سنصل قبل المغرب.
ولذا فقد عدنا إلى بيت الشيخ في القرية، ذبحوا عدة أغنام ومضغنا القات، وقاموا بتوزيع ما تبقى منه على الناس.
وتعجب الناس من عودتنا وصارت قصة الثور حديث القرية.!
في اليوم الثالث صلينا الفجر ثم تناولنا الفطور في منزل الشيخ وانطلقنا من جديد.!
ولأن الشيخ قد تشاءم من ذلك الثور فقد أبدله بثور آخر أحمر اللون.
كانت الساعة العاشرة حين صعدنا في نقيل مرتفع وعر، وفي منتصف النقيل سمعنا من خلفنا يصرخون:
ــ الثور قفز وهرب.!
توقفنا ووضعنا تحت عجلات السيارات أحجاراً حتى لا تهرول للأسفل، وقمنا نطارد الثور من جديد.!
اختفى الثور عن أنظارنا تماما ومع ذلك بحثوا عنه في كل الشعاب المنطقة ومدرجاتها عن الثور ولكن دون جدوى.!
كان أغلبهم يبحثون عن الثور الأبيض ولم ينتبهوا إلى أن الشيخ قد أبدله بالثور الأحمر.!
قلت في نفسي:
ــ يكفي ما حدث لي بالأمس.
ولذا لم اتحرك من مكاني وقلت للشيخ:
ــ سامحنا يا شيخ رجلي موجوعة منذ الأمس ولا أمشي إلا بصعوبة.
هز الشيخ رأسه ورمى إلي ببعض عيدان القات فشرعت أمضغها وأتساءل في نفسي:
ــ متى سأمتلك تلفون " رنان " مثل تلفون الشيخ؟!
قبيل الظهر جاء مجموعة من أصحابنا وقالوا للشيخ:
ــ ما وجدناه يا شيخ لقد اختفى تماما، لكننا وجدنا ثور أحمر يرتعي وحيدا في تلك الناحية.!
صرخ الشيخ فيهم:
ــ هو الثور حقنا، أنا قد بدلت الأبيض بثور أحمر.!
عادوا إلى الثور ، ثم تجمعوا من كل مكان لمحاصرته، وحين وجد الثور أنهم قد حاصروه نطح بعضهم ليفر ثم تعثر وسقط وتدحرج إلى أسفل الوادي.!
أدركوه وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة فذبحوه وقطعوا لحمه ثم وضعوا اللحم في طربال كبير وحملوه إلينا.!
وانقسمنا إلى فريقين: فريق مع أننا نعود إلى قريتنا ثم نشتري ثورا آخرا ثم نعود غدا، وفريق مع أننا نواصل.
كان الشيخ حائراً يقلب كفيه ولا يدري كيف يصنع؟!
اقتربت منه وقلت له:
ــ نواصل يا شيخ.
ــ لكن يا ابني هم جاؤوا بثور ولازم نوصل عندهم بثور.
قاطعته:
ــ سنشرح لهم ما حدث، ونحن أهل ما فيش حاجة.
أقتنع الشيخ بمقترحي لكن نجله الأكبر أعترض قائلاً:
ــ والله ما نتحرك إلا بثور حي.
وأضاف:
ــ ماذا سيقولون عنا؟
ــ الثور المذبوح شبهة.
ــ سيقولون المسألة فيها إن.
وأقتنع الشيخ وأغلب الناس بكلامه، ولكن بزغت في رأسي فكرة فقلت:
ــ يا شيخ أنا معي الحل.
انتبه الجميع إلي فقلت:
ــ سنقول لهم أننا لما وجدنا أنفسنا تأخرنا قلنا نوفر عليكم الوقت فذبحنا الثور عند جزار في الطريق.
ووجدوها فكرة مقنعة لكن نجل الشيخ عاد مجددا وأعترض:
ــ كلام فاضي، والله ما أتحرك إلا بثور حي.
انتحيت بنجل الشيخ جانبا وقلت له:
ــ أنت إيش قصتك بصراحة ؟ كلما وجدنا مخرج لهذه الضيافة كلما وقفت لنا واعترضت.
وأضفت بجدية:
ــ إذا تأخرنا على اليوم سيقولون اننا قد عجزنا عن تجهيز الضيافة، لأننا المفروض كنا نذهب أمس مش اليوم، وإذا رجعنا إلى القرية ستصبح قصتنا على كل لسان، خلينا نتخارج وعلي كفارة يمينك.
أقتنع أخيرا وواصلنا طريقنا فوصلنا الساعة الواحدة ظهرا، وكانوا بانتظارنا وقد جهزوا كل شيء.
حين بدأنا المقيل قلت لهم لأرفع الحرج عن الشيخ:
ــ سامحونا تأخرنا عليكم.
ووجدت شيخهم يجيب:
ــ ما فيش حاجة، قد عرفنا قصتكم مع الثور.
وأضاف:
ــ نحن مرة كان معنا ضيافة في منطقة مجاورة ، وقفز علينا الثور من السيارة وهرب ، وأجلنا الذهاب إليهم حتى اشترينا ثور جديد.!
وفغرنا أفواهنا دهشة وليس في أذهاننا إلا سؤال واحد:
ــ كيف علموا بقصة الثور ؟!

*قصة قصيرة