الزمن الوحيد الذي تدخل حياتك فيه امرأة تستحوذ عليك وتنهبك للأبد!
من أين ينشأ ذلك الإحساس الوهمي لدى الناس_في بداية كل عام_ بأن غدًا سيكون بداية لزمن مختلف، الزمن هو الزمن موجة واحدة لا تتجزأ، نهاية ديسمبر هي مثل بداية يناير، لن يحدث أي إنقلاب مفاجئ في الحياة خارجك، أنت وحدك من تعيش هذا الوهم داخلك وتعتقد بأن زمنًا جديدًا سيبدأ في الدقيقة الأولى بعد الساعة الثانية عشر ليلًا من هذا اليوم.
لقد تمكن الإنسان من تقطيع الزمن وتحويله لتواريخ وأرقام وساعات وأوقات ومناسبات؛ بشكل يخلق إحساسًا وهميًّا لدى البشر بأن هذه الوقفات تحمل تغيرات حاسمة في الحياة وتبث شعورًا متجددًا لديه. هذه التقسيمات المصطنعة للزمن تجدي في التعاملات الوظيفية وترتيب المواعيد؛ لكنها تغدو رمزًا لبؤس الإنسان حين يعلق عليها آمال وأحلام ويعيش مأسورًا بها ويحبس أنفاسه بداية كل عام منتظرًا انبثاق كون جديد أو ولادة إنسان مختلف داخله.
لا بأس توهموا كما شئتم، من قال أن الأوهام سيئة دائمًا، انتظروا الدقائق الأولى للعام الجديد؛ كي يهبط عليكم الوحي وتنقلب حياتكم في غمضة عين.
في الحقيقة لسنا وحدنا من نقتات على أوهام الزمن هذه، حتى إنسان العالم المتقدم يعيش هذا الخواء المرعب في المعنى الناظم لوجوده ويحتاج لمثل هذه الأوهام ليستشعر إحساسًا جديدًا بالحياة.
أما نحن فمعذورون أكثر منهم، مرهقون، متعبون جدًا، وحياتنا فارغة من المعنى، ولهذا نحن بحاجة لأي إشارة تفاؤل تلوح في الأفق كي نلاحقها ونرمم المعنى المتصدع في أعماقنا.
هكذا تمكن العالم من خداعنا وها نحن نلهث خلفه كي نقول له نحن أحياء مثلكم ولنا أحلامنا ولسوف نحتفل كما تحتفلون.
ستذهبون للمسارح، لشواطئ البحار، لدور السينما، وتقيمون حفلاتكم الخاصة والعامة وسوف نتابعكم من خلف الشاشات ونبتهج مثلكم ويسيل لعابنا لحياة تشبه حياتكم، وفي الصباح ستذهبون لأعمالكم فرحين وبغبطة جديدة وسوف نستيقظ على واقعنا المحطم وننتظر متى توقف الحرب قذائفها؛ كي نبدأ الحياة.
كل عام وأنتم بحب وحياة يا رفاق.. الزمن الوحيد الذي يحدث فارقًا داخلك، وتشعر بأنه يشكل بداية جديدة لك، هو الزمن الذي تحب فيه بكل جوارحك أو تدخل حياتك امرأة تستحوذ عليك وتنهبك للأبد.