احتفلوا وفي الغد ستكون الحياة ممكنة
لا أدري من أقنع قطاع من المثقفين أن الكآبة لها علاقة بالعمق وتعكس درجة وعي عالية، لا يوجد أي رابط حتمي بين أي شعور بعينة والتقيمات الخاصة بمنسوب الثقافة، يمكنك أن تكون مرحًا وعميقًا، وقد تكون سوداويًا وفارغًا، والعكس ممكن.
أشعر بانتماء أكبر لأولئك المثقفين المشعين بالحياة، العقول المرحة والطليقة، حتى وهو مكتئب لا يفقد فاعليته، حتى وهو ساخط لا يتوان عن الانغمار في اللحظة، تشعر أن سخطه يعزز روابطك بالوجود، عدمية فعالة ومرحة، معنى قانط؛ ينشط نقيضه من المباهج.
وحدهم الأطفال، مثقفين مرحيين، أدركوا سر الحياة، يتقنون الحضور في اللحظة بكامل طيشهم ونزقهم، مواجهة الحياة بتلقائية كاملة، بلا تعريفات جاهزة، بلا تخطيط ولا تعليمات مسبقة، وحدهم الأطفال مؤهلين للكشف الباطني عن أسرار الحياة، مؤهلين لعيشها ويتقنون شرب الزمن كما ينبغي.
الأطفال والنساء أكثر قربًا من منابع الفرح، أكثر قدرة على عيش اللحظة الخاطفة، أرواحهم ما تزال طرية، تحتفظ بقوة استشعارية عالية، قوة باطنية قادرة على صبغ الحياة بما تريد من المشاعر، هي من تهب اللحظة قيمتها الحية ولا تنتظر ما يفيض به الخارج عليها.
كل عام وأنتم مصادر بهجة، أرواح تفيض سعادة وبشاشة واندفاعة دائمة تجاه الحياة، احتفلوا كالأطفال، كالمجانين، كالسكارى.
احتفلوا انطلاقًا من هذه الحياة التي بين أيديكم، لا يوجد وضع مناسب للسعادة وأخر غير مناسب، قد تكون ثريًا ولا تصل لحالة شعورية جيدة ، وقد يكون وضعك جيد ولا تشعر أنك عشت الحياة التي ترغب، وقد تعيش الحياة التي تتمناها ولا تشعر بالرضى، أنت متململ الآن، ينقصك أشياء تعتقد أنها إذا توفرت ستكون سعيدا، هذا وهم فحسب، قد تحقق كل ما ينقصك الآن وتولد لديك احتياجات جديدة وتستعيد نفس تململك..السعادة هي حالة من الجدل الدائم مع فكرة الحياة، السعادة هي هذا الخليط الذي أنت فيه الآن.
السعادة تتعلق بوعيك اللحظي فحسب ، احتفلوا فحسب، احتفلوا وفي الغد ستكون الحياة ممكنة.
* ملاحظة: لا أحب مصادرة حق الناس في الانفعالات المعبرة عن هويتهم، كما لا أحب الكتابة الوعظية الداعية لتجريد الإنسان من حقه في عيش كل النقائض الشعورية، من أقصى اليمين لأقصى اليسار؛ لكن ما وددت قوله هنا هو أن الفكرة المشاعة حول ربط التفاؤل بالسطحية، فكرة ساذجة ولا تتضمن أي قدر من المنطق.