عن الجزمة التي ضربت نجيب الذيب !
عندما تم تعيين نجيب الذيب رئيسا لمؤسسة سيادية هامة كاد يطير من شدة الفرح وهو يشاهد المذيع في التلفاز يقرأ القرار الجمهوري الذي نص على تعيينه ، وانهالت عليه التهاني والتبريكات من كل الجهات والشخصيات والزملاء فاجتاحه شعور عارم بزهو تاريخي غير مدرك ما سيحدث له من تطور خارق لم يخطر له على بال .
يطلع على عشرات التقارير الهامة كل يوم ويلخصها للقيادة بتقرير يومي موجز ويطلعها على بعضها كاملة لأنه بناء على هذه المعلومات الهامة سوف تتخذ قرارات وتحركات لا تحتمل التأخير .
خلال أسابيع شعر بأنه يعلو فوق الجميع ويراقب الأوضاع في البلد من ارتفاع كبير ، لكن ليس هذا هو الأهم فقد صدم نجيب الذيب بتطور آخر لم يكن يخطر له ببال .
فوجئ بأن عيونه صارت تمتلك قدرة أسطورية على اختراق الجدران والحواجز فترى ما خلفها وعلى مسافة كيلو متر مربع ، في البداية كان يظن أنه يحلم غير أن هذه الحاسة الخارقة ظلت تلازمه كحقيقة مدهشة ، من مكتبه يرى الجميع في المؤسسة فحينما يتوجه يطلع على أحوال الجميع من مدراء وموظفين ويسمع كلامهم بوضوح .
فكر أن يحدث أصدقاءه بما حدث له لكنه توقع أن لا يصدقه أحد ، يوم الخميس قام بحجز جناح فخم في الدور الأعلى بأكبر فندق بالمدينة وهناك بدأ يشاهد يوجه حاسته الخارقة يمينا وشمالا ويشاهد كل ما يحدث .
هناك في تلك الشقة رجل يتناول العشاء مع زوجته وأطفاله وهم يشاهدون التلفاز ، في الشقة الأخرى رجل يمضغ القات بينما زوجته ترقص على أغاني التلفاز ، قبيحة ورقصها مضحك جدا والرجل يهز رأسه كأنه قد امتلك العالم ، انهار نجيب الذيب ضاحكا على المرأة ورقصها وفرح زوجها المبالغ به .
في تلك الشقة رجل يجلس وحيدا يمضغ القات ويتابع بشغف الفيلم الأجنبي في التلفاز بينما زوجته في غرفة النوم تتمدد على السرير وتنشغل بالهاتف ، يبدو أن زوجها خاصمها ، تبدو فاتنة ، قال نجيب الذيب لنفسه :
ـ لو كانت هذه زوجتي ما خصمتها وتركتها وحيدة في ليلة الخميس .
في الشقة الأخرى رجل يذرع الصالة جيئة وذهابا ، ينتف شاربه في شرود ، يبدو أنه قد غرق في هموم لا أول لها ولا آخر ، وحيدا يحاور الفراغ ويشير بيديه كأنه يهدد ويتوعد .
ظل يجول بحاسته الخارقة في بيوت الناس ، يقتحم خصوصياتهم ويرى ما لا يرى حتى آخر الليل فعاد إلى منزله ليجد زوجته قد نامت وهي تنتظره بثوب سهرة وردي .
في الصباح حدث له ما لا يخطر على بال فما إن أمسك بجزمته ليلبسها ويغادر حتى تمددت بشكل خرافي ثم انتصبت حتى صارت بمحاذاته وانهالت عليه تضربه في كل مكان ، حاول مواجهتها لكنها كانت تمتلك قوة خارقة عجز عن التغلب عليها ، أستنجد بالحراس وكل من في البيت لكن لا أحد سمعه ، تصبب الدم من أنفه غزيرا وتكورت في وجهه كدمات ، كان جسمه قد تداعى كأنه قد تعرض لحادث مروع .
أغمي عليه من شدة الضرب ولم يستطع النهوض ، أسعف إلى المستشفى وهو بحالة صعبة ، رقد على السرير الأبيض ومكث ثلاثة أيام حتى بدأ يتعافى ليعود للمؤسسة يتوكأ على عصا غليظة وسط دهشة كل من رآه ، أخبر الجميع أنه تعرض لحادث مروري وسامح من صدمه .
جاء يوم الخميس وقد تعافى تماما فعاد إلى جناحه في الفندق ، يجول بحاسته الخارقة في المنازل ويتفرج على خصوصيات الناس ، ما تزال تلك المرأة الدميمة ترقص بشكل مضحك وزوجها مزهوا كأنه يشاهد ملكة جمال أمامه ، والرجل الذي يتناول العشاء مع زوجته وأولاده ما يزالون على المائدة ، وذلك الذي يشاهد الأفلام ما يزال متسمرا أمام التلفاز وزوجته في غرفة النوم منشغلة بهاتفها ، الرجل المهموم يواصل نتف شاربه ، لا جديد .!
أنتقل إلى الجهة الأخرى من الجناح وبدأ يكتشف بحاسته الخارقة منازل جديدة على الجهة الأخرى .
عاد إلى منزله وقبيل دخوله خلع تلك الجزمة اللعينة وأعطاها لأحد حراسه ، في الصباح صعق حين رأى بأنها قد عادت لم تمهله حتى يلمسها ، انهالت عليه تضربه بشكل أعنف ، عاد للمستشفى مجدد ولم يغادره إلا يوم الخميس ليتخذ طريقه نحو الفندق لكنه تذكر أن تلك الجزمة ستكون له بالمرصاد فاتخذ طريقه نحو منزله .