المشهد اليمني
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:19 مـ 13 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
سعودية تتوج بلقب ملكة جمال دبي 2024 .. شاهد من تكون؟ أبوراس يحذر من تقسيم اليمن: مليشيات الحوثي ترسخ مسار التقسيم مشاهدة مباراة الاهلي وبرسبوليس رابط بث مباشر وبدون تقطع ابطال اسيا للنخبه بعد العثور على جثة طفل.. إب تشهد مسلسلًا من الوفيات الغامضة داخل السيارات! وساطة قوية لإنقاذ رقبة سمية العاضي من الإعدام أول تحرك عسكري أمريكي إسرائيلي مشترك ضد الحوثيين بعد الهجوم بالصاروخ الباليستي على تل أبيب عاجل: مهمة الاتحاد الأوربي بالبحر الأحمر تعلن نجاح سحب السفينة اليونانية ”سونيون” دون أي تسرب نفطي عبر البث المباشر.. مشاهدة مباراة الأهلي السعودي أمام برسبوليس الإيراني بجودة HD بدون تقطيع اليابان تضع لمساتها في اليمن: مشروع ضخم يعيد الحياة ! شاهد: السعودية تعلن العمل لبناء أول محطة لإنتاج الطاقة النووية في المملكة طارق صالح في عدن يلتقي عيدروس الزبيدي ووفد من المجلس الانتقالي.. والإعلان عن تحرك مشترك مهم بدون تقطيع .. بث مباشر لمشاهدة مباراة الغرافة القطري واستقلال طهران في دوري أبطال آسيا بجودة HD

ظاهرة الرداءة وشكوى المثقف

بين الفينة والأخرى، تجد مثقفين من هنا وهناك، يشهرون سياطهم ضد الرداءة المتفشية، إنها مزعجة للجميع وآثرها مدمّر على الوعي العام، ذلك ما نتفق به معهم ولا يمكننا التشكيك به؛ لكن نقد الرداءة لا يكفي لتقويضها، لا يكفي أن نهجو النماذج السطحية كي نحرس وعي المجتمع. أحيانًا أشعر أن مدمني نقد الرداءة، ليسوا براء منها، أو على الأقل فليس كل من ينقد الرداءة له علاقة بالجودة، أحيانا هي مجرد حيلة لنفي التهمة فحسب، أو تبرير للعطالة.

نقد الرداءة: هذا سلوك هو بذاته سطحي الأثر، لكأننا -حين نقوم به- نزعم أننا قد تمكنا وبالضربة القاضية من تحييده، وهذا وهْم مبالغ به، بل ويكشف عن عدم تمكننا حتى اللحظة من تشخيص التفاهة وكيفية تجاوزها. ذلك أن الرداءة لا تنتظر حكم المثقف؛ كي تتوقف، ولا تستمد شروط فاعليتها مما يقوله عنها أو ضدها.

لدينا أشخاص فارغون ونشطون جدا، وجمهور عريض يتابعهم، القطاع الأعظم فيه متواضع الوعي، ومن الطبيعي أن يجتذبهم كل ما هو سطحي وعابر ويفتقد للقِيمة الخالدة. إلى هنا الأمر طبيعي ومفهوم. ما ليس طبيعي هو أنك لا تدري من الذي أوهم المثقف أن الغالبية في المجتمع كان يجب أن تحتشد خلفهم، ولا أدري لماذا يغضب المثقف حين يجد الحشود تلهث وراء التسلية والقضايا الفارغة.

بالمقابل، لدينا أشخاص يملكون أدوات الفكر والمعرفة ومؤهلون للنشاط الثقافي بمعناه الرفيع والمتعدد؛ لكنهم أقل فاعلية وكسالى، ويعتقدون أن مهمتهم تقتصر على جلد المجتمع والتشكيك بذائقته. فلا هم اشتغلوا لحجز مساحات لهم تتمتع بنوع من الثراء، ولا توقفوا عن التأفف والعويل وجلد الآخرين والسخرية الفوقية منهم.

من الواضع أن لعنة الثنائيات المتناقضة تلاحقنا (مثقفون خاملون وشعبويون فاعلون)، إن رجال الفعل أغبياء جدا، ورجال الوعي عاطلون جدا؛ ذلك ما صرخ به ديستوفسكي، قبل ما يقارب 200 عام، لكأن طبيعة الحياة اقتضت هذا التناقض الغريب، ما يجعلنا أمام حاجة صعبة للموازنة، يكون بموجبها المثقف أمام تحدّي الفاعلية والقدرة على الوصول إلى الجمهور، والشعبوي أمام تحدّي الوعي وضرورة تثقيف نفسه ولو بالحد الأدنى من متطلبات الفهم، كي يطّلع على جمهوره وهو قادر على تبسيط القضايا لهم، وتقديم مادة مقبولة حول الأوضاع.

فكما أن حالة القطيعة بين المثقف والجمهور هي نقطة سلبية في حالته، إذ لا قيمة حيوية لعقل محمول على طبع بارد، مثلما لا قيمة معرفية وتنويرية لحماسة فارغة يصدح بها الشعبوي، والطريقة الوحيدة لرفع مستوى قيمة الطرفين ونشاطهم هي احتياج كل طرف لبعض من سمات الآخر.

طوال التاريخ البشري، وحتى عصرنا هذا، ويمكن الذهاب أبعد والقول وحتى قيام الساعة، كانت النسبة الساحقة من المجتمع ذات طبيعة عادية ومسطّحة، ويصح كثيراً وصفها "بالشعبوية" بالمفهوم الحاضر، ما يعني أن المجتمعات وفي أكثر فتراتها تحضرا ووعياً، ستظل السمة البارزة فيها هي "الشعبوية" والذوق المسطّح، وبالتالي فلا قيمة عملية للتبرّم منها، والمبالغة في تصوير خطرها.

إلا أن ما هو مؤكد وباعث للطمأنينة هو أن الرداءة والمزاج الشعبوي -مهما بلغت قوته العددية وقدرته على إثارة الصخب- تظل آثاره كما طبيعته سطحية وعاجزة عن إحداث أي حفر عميق في وعي المجتمع، فهي لا تتعدّى مجرد الرّغوة العابرة، وأثرها يزول سريعاً، ولا يمكنها أن تصير في يوم ما موجِّها وناظما أو صانعا للتأثيرات الحاسمة والجذرية في ذهن المجتمع.

صحيح أن ظواهر التفاهة تترك أثرا في اللحظة العابرة، وتربك الوعي المجتمعي مؤقتا، وتسحبه نحو اهتمامات عديمة القِيمة، لكن مهما بلغ نفوذ هذه الظواهر الفارغة تظل عاجزة عن التحكّم بمصير المجتمع، فالطبيعة البشرية تخضع لدوافع معقّدة، وتعيد تصحيح وعيها وتنظيم سلوكها بعيداً عن المؤثرات اللحظية الفارغة. وحدهم الأشخاص الفارغون من القيمة والمعنى، يجدون لهفة للتشبث بأدنى تفاهة تمكنهم من تحقيق الظهور، وحدهم العاجزون عن انتزاع مساحة لهم في العالم بجدارة الموهبة وبأصالة الذات الفاعلة والممتلئة، هم من يعتقدون أن الحضور الفارغ جالب للقيمة، وأن التطفل حيلة ناجعة للظهور.

وعلى النقيض تتصرف الذوات المتصلة بالمعرفة النشطة، تستند لذاتها، تغترف من منابع خالدة، وقادرة على أن تقدم للناس كل يوم فكرة ومعنى جديد، تلك هي من تستمر في الصعود للأبد.

أخيرًا: لا خوف من الرّداءة، مهما استفحلت، هناك خوف من خمول الجودة وحامليها فحسب، وهذا ما يتوجّب التركيز عليه دوماً، بدلا من خوض صراعاتنا مع طواحين الهواء، أو الاكتفاء بالشكوى من سيطرة التفاهة ولطم الخدود والشعور بالإحباط من تفشيها، وكأنّ تمددها قدرا حتميا لا يمكننا مدافعته، أو كأن الطريقة الوحيدة لمدافعتها هي السخرية منها، وكأنك بهذا قد أنجزت دورك وعطّلتها، أو كأنّ دورك مجرد ردة فعل عليها، وليس فعلا له منطلقاته المستقلة، وأدوات نفوذه وفاعليته الموازية والمختلفة.

دعكم، من كل حالة فارغة، ثمة تعبير، يقترب من كونه قانون كوني، يعمل في قلب الطبيعة: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. "جُفاء" يا له من تعبير ذكي، لكأنه يوحي بكل ما أجوف، إشارة للفراغ، الخواء، وهي دلالة لا تبتعد كثيرا عن "التفاهة"

لا يمكنك أن تنجح بتخليد ما يفتقد لصفة الخلود، ولو حشدت العالم كله لإسناده وبالمقابل، لا يمكنك تقويض ما ينطوي على قيمة خالدة، عنصر بقاء، ولو جردته من كل أسلحة الأرض، سيشق طريقه وينتزع وجوده، كأن يد الله تباركه ليمض حتى الأبد.