نبيل البكيري
إيران والحوثية أي علاقة
تمثل الحالة الحوثية في اليمن إحدى تجليات مبدأ تصدير الثورة الإيرانية بامتياز، جنباً إلى جنب مع حالة حزب الله اللبناني، مع فارق جوهري بسيط هو أن الحوثية فقط لم تجد الظرف المناسب للظهور المبكر لها كما هو حال حزب الله في لبنان الذي بدأ بالظهور والبروز منذ بداية ثمانينات القرن الماضي والذي وجد من قربه من فلسطين وحالة الاحتلال الإسرائيلي شماعة باهته لشعاراته .
بيد أن المتابع لنقاط التشابه والافتراق بين الحالتين أيضاً لن يغفل الخصوصية الموضوعية لكل حالة على حده، بالنظر إلى ما تمثله الحوثية من امتداد تاريخي ومذهبي للمذهبية الزيدية التي تأسست في اليمن منذ عام 284 هجرية، على شكل سلطة دينية أسسها ما يعرف بأدبيات الزيدية بالإمام الهادي يحيي بن الحسين الرسي.
صحيح أن الحوثية امتداد للزيدية التاريخية وبكل حمولاتها المذهبية و السياسية والاجتماعية والتراثية، لكنها اليوم لم تعد سوى عنوان مظلل و مخادع عن حقيقة هذا الامتداد التاريخي الذي لم يعد له أي علاقة بالحالة المذهبية بنسقها الزيدي المعروف، وإنما غدت عنوان مراوغ تتلفع تحته المهمة الوظيفية التي تقوم بها هذه الجماعة التي كانت إحدى تجليات سياسة نظرية الولي الفقيه الخمينية و مبدأ أصيل لهذه الثورة والذي عرف بتصدير الثورة الإسلامية.
فالحوثية بكل تشكلاتها الراهنة لم يعد لها من الزيدية سوى التوظيف العاطفي للجماهير الزيدية التي يتم توظيفها في معركة الصراع تحت لافتة مظلومية آل البيت التاريخية، و أكذوبة الحق الإلهي المزعوم، عدا عن ديماغوجية شعار الممانعة ، فيما الأمر ليس له علاقة بهذا النمط من التفكير، بقدر ارتباط هذه النسق من التفكير بأجندات سياسوية بحته لا علاقة لها حتى بالتدين الشيعي ذاته.
سعت إيران الخمينية منذ ما بعد الثورة الإسلامية الخمينية وتحت لافتة تصدير الثورة إلى احتواء كل الجماعات الشيعية حتى تلك التي هي على عداء تاريخي وتكفير متبادل مع الحالة الإثنى عشرية الجعفرية الشيعية وهو ما تجلى بحالة الاختراق الكبير للجماعات الشيعية وعلى رأسها الزيدية في اليمن التي كانت في حالة كمون منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، ولاقت من الطرف الإيراني رعاية واستقطاب و تذويب و إعادة تشكيل من جديد ولم يعد بعد ذلك للحوثية من الزيدية سوى ستار شفيف ممكن للمتابع النظر إلى ما خلفه من حالة جديدة أعيد تشكلها على أعين ولاية الفقيه و حراسها.
تم في إعادة تشكيل هذه الحالة اشتغال كبير من قبل جهاز إيراني كبير تمثل بإعادة هيكلة مقولات الحوثية وفقا لنسق المقولات الجديدة للاثنى عشرية الخمينية وخاصة فيما يتعلق بالعلم القائم والمقصود به هنا ليس حسين الحوثي وإنما الخامنئي، وتمثل هذا بحالة الاحتضان الكلي لهذه الجماعة من قبل الإيرانيين و انخرط أعداد كبيرة من أفراد الجماعة في الجامعات والحوزات الإيرانية، في ما يشبه عملية صهر كلي لثقافة جماعة الحوثي في إطار المشروع الإيراني الكبير و أجندته الطائفية في العالم العربي. وكانت لكتابات العاملي الكوراني في كتابه عصر الضهور دور كبير في رسم خارطة ذهنية لهذا التشكل على أنقاض زيدية انتهت ولم يعد لها وجود حقيقي إلا كتراث اندثر و صار جزء من الماضي الذي سعى الإيرانيون لبعثه وفقاً لقالب جديد مغاير للقالب الزيدي القديم تماماً.
ما نشاهده هذه الأيام ونسمعه عن إمكانية حدوث عملية سلام مع هذه الجماعة فهو وهم كبير، بالنظر إلى حجم التشابك الكبير بل الاختطاف الكبير لهذه الجماعة من قبل الحرس الثوري الإيراني وكل أجهزته الأمنية والعسكرية وهو ما سيتعذر معه أي حديث عن سلام بمعزل عن التوجيه والقيادة والأجندة الإيرانية لمثل هكذا خطوة قد تضطر لها إيران وليس جماعة الحوثي.
فما بات واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى هي حالة الاختطاف ليس في المستوى السياسي للجماعة و إنما حتى على مستويات القرار الداخلي لما بات يسمى بالجهاز الخاص االمكون من ضباط إيرانيين و لبنانيين من حزب الله و الذين يديرون الجماعة ومكتب قائدها عبد الملك الحوثي الذي غدا كأسير بيدهم وكل ما يتعلق بالجماعة حتى غرفة العمليات العسكرية.
باختصار الجماعة الحوثية، لم تعد سوى ورقة من أوراق المشروع الإيراني وحرس الثورة الإيرانية و هي في حالة اختطاف تام يستحيل معه أي اختراق لها وإعادتها إلى مسارها اليمني الوطني ما لم يتم ذلك وفقا لهزيمة عسكرية تجردها من كل قوتها وارتباطاتها الإيرانية، غير هذا يصعب إن لم يستحيل إحداث عملية فصل جراحية بين هذه الجماعة والمشروع الإيراني، الذي بدأ عملية استزراع وهندسة هذه الحالة المليشوية منذ لحظاته الأولى متحكماً في كل تفاصلها و أيدولوجيتها العقائدية.
وفي ضوء هذا كله، سيكون من السذاجة بمكان الحديث عن إعادة دمج هذه الحالة وفقاً لأي عملية كانت سياسية أو غيرها ما لم يتم هزيمتها و تجريدها من سلاح الدولة الذي استولت عليه و السلاح الإيراني و تحجيم كل ما تعتقد أنها أي الجماعة قد حققته خلال هذا الانقلاب المشؤوم من مكاسب ، و الذي لا يستهدف اليمن فقط وإنما يستهدف دول الخليج العربي و منظومة أمنها القومي الاستراتيجي.