المشهد اليمني
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 06:37 صـ 14 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
”إما أنتِ أو شقيقك!”.. جريمة ابتزاز تهز اليمن وتكشف الوجه المظلم للحوثيين إطلاق سراح 5 متورطين في التخابر مع الحوثيين بالحديدة بعد تعهدات قوية دعوة عاجلة لمراجعة مكاتب الخدمة المدنية: موظفون ومتقاعدون في مرمى الاستقالة الطوعية ديون العلاج تدفع عنصراً حوثياً للانتحار.. تفاصيل صادمة من مستشفى في إب! حادث مروع يودي بحياة سائق شاحنة على طريق كربة الصحي بتعز وسط تدهور الأوضاع الإنسانية القيادي الحوثي سلطان السامعي يتهم قيادات الحوثيين بإقصاء تعز وإخفاء ساحة المولد! الحوثيون يعمقون الانقسام في اليمن بقطع مرتبات موظفي الخطوط الجوية اليمنية بالجنوب الاخبارية تكشف تفاصيل جديدة بشأن سقوط لاعب المنتخب السعودي فهد المولد من شرفة شقة في دبي ”فيديو” الرئيس الإيراني يُفاجئ العالم: ”لا نملك صواريخ فرط صوتية لنرسلها إلى اليمن”! أبين تواصل شل حركة النقل بين عدن وشبوة للمطالبة بالإفراج عن المختطف عشال حماس تحرج مليشيات الحوثي وتصدر بيانا مخالفا لرسالة نشرتها الجماعة باسم السنوار إلى عبدالملك الحوثي!! ”ليسوا بقوتهم”... أسرار سقوط صنعاء بيد الحوثيين كما يرويها وزير الدولة امين العاصمة صنعاء!

لافتات سبتمبرية (2) هيئة النضال

لافتات سبتمبرية
2 ــ 30
هيئة النضال

تأسست هيئة النضال في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدًا في العام 1935م، وذلك عقب ثلاثة أحداث وطنية كبرى في سنة واحدة، هزت عرش الإمام يحيى وعرّت هشاشة حكمه، وكان ذا مهابة كبيرة أمام الشعب حد القداسة عند الجهلة منهم، بسبب الجهل السائد آنذاك. وهذه الأحداث:

1ــ المعاهدة اليمنية البريطانية في 11 فبراير 1934م، والتي اعترف بموجبها الإمام يحيى ــ ضمنًا ــ بشرعية الاحتلال البريطاني للشطر الجنوبي من الوطن، وأكدت ما كان قد جرى بين الأتراك العثمانيين من جهة والبريطانيين من جهة ثانية قبل ذلك في مسألة ترسيم الحدود اليمنية بينهما. ويبقى معمولا بها لمدة أربعين سنة بين الجانبين. وقد أشَار البردوني إلى أنَّ الأئمَّةَ من بيت حميد الدين كانوا يعتبرونَ اليَمَنَ هو الجزء الشَّمالي الذي يقع تحتَ سَيطرتهم، وفي جزءٍ منه قاعدةُ نظريتهم السِّيَاسِيَّةِ فقط، قد نزلوا عند تسمية الاسْتعمار للجنوبِ بالجنوب العربي، بدون إشَارةٍ لليمن..! وكأنَّ الجنوب ليسَ من اليَمن؛ مع أنَّ مجردَ التفاوضِ مع البريطانيين على جزءٍ من الوطنِ هو اعترافٌ مباشرٌ وصريحٌ بالمحتل الغاصِب. وعلى أية حالٍ، فذلك لا يعنيه ما دامتْ عُشُورُ الزكواتِ والضرائب لن تصِلَا إليه.!

2ــ الحرب السعودية اليمنية في 22 مارس 1934م والتي تفوقت فيها قوة الملك عبدالعزيز آل سعود على قوات الإمام يحيى.

3ــ معاهدة الطائف في 20 مايو 1934م، وهي مرتبطة بحدث الحرب قبلها، ونصت على إنهاء الحرب بين البلدين الشقيقين، والتي بدا الملك عبدالعزيز فيها منتصرا، فيما الإمام يحيى قد كُسرت شوكته.

هذه الثلاثة المواقف التاريخية، في أربعة أشهر متلاحقة نكست رأس الإمام يحيى، فأثارت الجدل في أوساط النخبة السياسية اليمنية، من بعض البيوتات المناوئة له، ومن المثقفين على قلتهم حينها، وإن كان هذا الجدلُ همسًا غير صاخب، خاصة مع البدايات المتهامسة مع الحاج محمد المحلوي التي كانت قد سبقت هيئة النضال، وإن كانت فردية، أو "مقائلية" لم تتبلور في هيئة أو منظمة أو تيار.

ووفقًا لما ذكره الأستاذ نعمان في مذكراته: "هزيمة جيشِ الإمام أمامَ جيش السعودية أحدثت في اليمنِ ردةَ فعلٍ، أسقطت هيبةَ الإمام سُقوطا يساوي سقوط هيبة عبدالناصر في هزيمة عام 1967م في الحربِ مع إسرائيل".
هنا برز المثقفُ المستنير، أحد كتاب صحيفة الإيمان الناطقة باسم الإمام، ثم الرئيس الثاني لمجلة الحكمة اليمانية بعد وفاة الوريث، أحمد بن أحمد المطاع، منتقدًا الوضع، داعيًا إلى الإصلاح وتحديث الجهاز الإداري للدولة الهشّة، والتي لا يصح وصفها بالدولة أسَاسًا؛ لأنها لا تعدو أن تكونَ دولة فردٍ طاغية، منكفئ على نفسه، متوجسٍ من كل مَن حوله في الداخل والخارج.
في تلك الأجواء، من العام 1934م تبلورت فكرةُ تأسيس هيئة النضال، كفكرة أولا، ثم أصبحت واقعًا ملموسًا بعد ذلك، ويعود الفضل لمؤسسها الأستاذ أحمد بن أحمد المطاع، الرجل المتقد شعلة من النشاط والهمة والعمل الدؤوب، مع ثقافة عصرية أنارت له طريق النضال

طواف اليمن على البغلة
قام المطاع بجولة استطلاعية على البغلة إلى حجة وزبيد وتعز والمخا وجبال الحجرية، ثم إب وذمار، وفي كل منطقة من هذه المناطق يعرض فكرته على أبرز رجالاتها ويحاورهم، ثم عاد إلى صنعاء، وقد كوّنَ تصورا حقيقيا عن واقع البلاد، بسبب ظلم وكهنوت الإمامة.

وذكر علي محمد عبده في كتابه لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين أن المطاع التقى ببعض الشخصيات في تعز، وأنه زار المدرسة والنادي في الحجرية، وأعجب بالنشاط القائم فيهما، وتبادل النقاش والحوار مع كل من التقى بهم، فوجدهم جميعًا يشكون من ظلم أمير اللواء علي الوزير وقسوة أحكامه وجور الضرائب التي فرضها على المواطنين وكراهيته للتعليم، وإذا بالمطاع يشكو لهم بدوره ما يعانونه من التزمت المفروض عليهم في صنعاء.. إلخ

وبعد تلك الجولة التي قام بها في العام 1935م تأسست هيئة النضال، في صنعاء، كأول جماعة إصلاحية سياسية معارضة للكهنوت الإمامي في القرن العشرين، بأدوات محدودة جدا، في بيئة فقيرة، وبالسِّر أيضا، وكانت تطمح أن يكون لها فروع في بعض المدن الأخرى. وكان من أعضائها: عبدالسلام صبرة، ومحمد المحلوي والعزي صالح السنيدار وعلي محمد السنيدار وعبدالله العزب وعبدالله الشماحي وعلي الشماحي ومحمد بن أحمد المطاع ومحي الدين العنسي وأحمد قاسم العنسي محمد عكارس ومحمد بن حسين عبدالقادر. وكتب هؤلاء نظام الهيئة الداخلي من ثمان نقاط.

وعملت الهيئة ــ التي كانت خليطا من الشيوخ والفقهاء والتجار والمتنورين، حسب الأستاذ البردوني ــ بكل سرية، واستطاعت اختراق جهاز الإمام، حتى بدأ خبرها يتسرب إليه عن طريق رئيس وزرائه القاضي عبدالله العمري الذي استطاع إقناع الإمام بأن ثمة جماعة على رأسها المطاع والعزب مرتبطة بالاحتلال الإيطالي بالحبشة، ويسعون للانقضاض على حكمه، فأمر الإمام باعتقال هذين الشابين مع بعض زملائهم في الهيئة، في العام 1936م وبعد اعتقالهم أشاع الإمامُ وأعوانُه أن هؤلاء يحاربون الدين، ويريدون إدخال النصارى إلى البلاد، وأنهم يحاولون أن يختصروا القرآن الكريم إلى ستة أجزاء..!

وقد كانت هيئة النضال أول عمل سياسي معارض ومنظم في إطار سياسي، في مشروع واضح المعالم له أهدافه وآلياته وبرامجه؛ مثلت البذرة الأولى للنضال؛ منطلقة من ثقافة العشرينيات التجديدية، فأسست لحركات وتنظيمات جديدة، متلاحقة بعد ذلك، ذات طابعٍ حركي، جماعي، خلافا للمعارضات السياسية التي كانت قبل ذلك، متمثلة في النشاط الفردي لهذا البيت الإمامي أو ذاك، أو حتى للقبيلة. وكل ذلك بفضل الثقافة الوافدة التي كانت قد تسربت إلى عقول هذه النخبة، سواء من ثقافة القاهرة التجديدية، أم من عدن، متجاوزة الثقافة التقليدية السائدة ذا المرجعية الدينية. لامست هذه الثقافة طموحًا شبابيا كبيرًا، مصحوبًا بهمّةٍ عالية، كهمّةِ المطاع الذي طاف أغلب مناطقِ اليمن الشمالي حينها على بغلة، على ما في السّفر من مشقةٍ ومخاطرة آنذاك.

وكان المُطاع ممن تم إعدامهم بعد ثورة 1948م، وحين نُودي به إلى ساحة الإعدام خرج من المعتقل مكتوفَ اليدين، مكبّلَ الساقين، فوجد الأمير مطهر بن يحيى، والأمير محمد بن أحمد بن يحيى في انتظاره، فبصقَ في وجههما، وقال: لا تزالُ هذه الشجرة الخبيثة تلاحقني حتى هذه اللحظات المقدسة.