المشهد اليمني
الخميس 4 يوليو 2024 03:23 صـ 28 ذو الحجة 1445 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
كيليان مبابي في مواجهة مثله الأعلى كريستيانو رونالدو: ”صراع أجيال” يشعل ربع نهائي بطولة أوروبا 2024 شاهد..مشعوذ يفضح زبائنه بنشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي! مواطنون يحبطون عملية اختطاف شيخ بارز في عدن..ماذا يجري في العاصمة المؤقتة؟ شاهد..مغنية كويتية تثير الجدل مجدداً برقصها وهي مرتدية الحجاب نشاط القراصنة في الصومال يتزايد بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ”‏أخبار مبشرة وجهود كبيرة وأجواء إيجابية”...مقرب من الحوثيين يكشف ما يجري في مشاورات مسقط انخفاض حاد لادنى مستوى في حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب بسبب هجمات الحوثيين وفاة شاب ونقل اثنين آخرين في حالة إغماء إثر تناولهم عشبة سامة في عدن ”تصعيد حوثي بأجندة روسية: هل يصنع البحر الأحمر أوكرانيا جديدة؟” كاتب صحفي يجيب عدن: ابتزاز إلكتروني يقود فتاة إلى محاولة الانتحار... لحظة إنقاذها تُعيد لها الأمل بالحياة قيادي إصلاحي يحسم الجدل بشأن مصير السياسي محمد قحطان ويكشف عن خطة لإفشال مفاوضات مسقط بعد فشل ”مخطط اغتياله”.. عيدروس الزبيدي يغادر اليمن إلى الإمارات

عن المؤتمر في ذكراه وتاريخه وامكانية انعاشه مجددا: هل من امكانية لمكاشفة جادة هدفها المستقبل!


خلال هذه المرحلة نحتاج بشدة لتمتين الحركة السياسية الوطنية وتقوية مؤسساتها، ولاشك ان الاحزاب السياسية هي أكبر وأوسع المؤسسات غير الحكومية تأثيرا وفاعلية.
وفي مراحل التمزق او التحول الوطني للبلدان، غالبا ما تبرز أحزاب فيها تقوم بدور الحامل السياسي والوطني بشكل واسع جدا لتشمل حتى القطاعات الحكومية والوظيفية التي تكون بمنأى عن الحزبية في الظروف المستقرة.
أمامنا كمثال، تجربة تنظيم الضباط الاحرار المصرية، والى حد كبير في اليمن تنظيم الضباط الاحرار شمالا، وجبهة التحرير والجبهة القومية جنوبا.
هذه التنظيمات والمنظمات رغم كونها منبثقة عن القطاع العسكري ومؤسسة الجيش، لكنها اشتغلت في أدق وأهم ميادين العمل السياسي والتنظيمي الذي تنفرد به الاحزاب، وكانت هي التنظيم والنظام الذي حمل مشروع التحول في تلك المراحل، وبالتأكيد كانت انذاك امتدادا لفصائل وتوجهات سياسية معروفة، كالقومية واليسار الثوري.
اليوم تطل علينا ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام السنوية، ومعها نلحظ أن بعض رجالات الدولة القدماء أو بعض نشطاء العقد المنصرم الشباب يتحمسون للحديث عن الحزب والمناسبة من زاوية وحيدة تنحصر في تجديد الحديث عن مؤتمريتهم!!.
حسب متابعتي، لا احد من كل هؤلاء -المهنئون لانفسهم- أضاف جديدا حقيقيا عن المؤتمر وواقعه وأزمته الداخلية وامكانية تجاوزها او حتى امكانية توظيف ما تبقى من تاريخه واطلاله في خدمة المعركة الوطنية.
السؤال الذي لم يفكر به احد من المؤتمريين القدامى والمستجدين، هو : من هو المؤتمر الذي تقصدونه ؟ وما علاقته بتاريخه ولوائحه ومحطات نشاطه؟ وما مدى تأثره بالاحداث والازمات التنظيمية والوطنية التي عاشها خلال العقد الماضي على الاقل؟.
تأسس المؤتمر الشعبي العام مطلع الثمانينات كتنظيم سياسي تبناه الرئيس السابق صالح ليس ليكون كحزب شمولي مثل الانظمة ذات الحزب الواحد الرائجة انذاك، بل اراد منه مظلة توافقية انخرطت فيها علنا كل التنظيمات السياسية اليمنية التي كانت تعمل سرا.
وفعلا حضر المؤتمر آنذاك كأداة سياسية وشعبية مرنة وفاعلة عززت من حضور صالح وعلاقاته مع المكونات والقوى والمجتمع عموما، وظل كيانا سياسيا يتوسع انصاره ومساحة انتشاره بحجم كل البلاد ومكوناتها.
مع قيام الوحدة اليمنية التي أقرت علنية التعدد السياسي، خرجت من عباءة المؤتمر الى العلن كل التنظيمات القومية والاسلامية وهذا أفقده كم كبير من مؤسسيه وقيادته التاريخية، لكن المؤتمر ظل الى حد كبير منتدى سياسي تضم هيئاته القيادية قادة من مختلف التيارات الفكرية التي أصبح لها أحزابها.
بل كانت احيانا تسفر تشكيلاته الداخلية عن توزيع مناصب هيئاته القيادية العليا بتنوع وتوازن كأته حكومة ائتلاف، فترى أمين مساعد يمثل التيار الاسلامي وأمين مساعد يمثل التيار الإمامي وأمين مساعد يمثل اليسار واخر عن القوميين، بشكل لا يفعله غير صالح.
لاحقا بدأ يتحول الى حزب وظيفي حيث وجد نفسه مجبرا على استيعاب كوادره كحزب أغلبية حاكم في تشكيلاته القيادية والداخلية، لكنه ظل متميزا بقاعدته الشعبية العريضة.
بقاء صالح (الشخص والرئيس) في رئاسة الحزب كان اكبر عوامل قوة الحزب واكثر تأثيرا من بقية مؤسساته وهياكله وأدبياته، حتى لم يستطع المتابع التفريق بين الحزب ورئيسه.
هذا ما اثبتته الهزات العنيفة اللاحقة التي تعرض لها الحزب، مطلع 2011 ومع الانتفاضة الشعبية شهد الحزب انشقاقات واستقالات واسعة من مختلف هيئاته، خرج صالح من الرئاسة أيضا وأصبحت نصف الحكومة نصيبا للمعارضة بعد ان كانت الحكومة وكل السلطة حقا حصريا على صالح وحزبه.
مع ذلك، لم يتمكن احد من اقناع صالح - ولا إجباره أيضا - على ترك رئاسة الحزب او حتى تسليمها لنائبه وأمينه العام الذي اقترحه هو رئيسا للدولة !.
وبدلا من احاديث ومطالبات تسليمه رئاسة الحزب وفق لائحته التنظيمية لخليفته هادي، خرج صالح بعيدا عن كل اللوائح ليتخذ قرارا مجنونا وغير مسبوق في المشهد الحزبي اليمني وربما العالمي، لقد قرر فصل النائب الاول والثاني والأمين العام للمؤتمر وتجريدهم من عضوية الحزب! ، ولم يكن بيد هادي والارياني تنظيميا ما يمكن التعويل عليه.
جاءت 2015 التي شهدت خلو الساحة من كل رفاق وخصوم صالح القدامى، واصبح يقف في صنعاء مباشرة بمواجهة الحوثي كحليف او منافس او تابع، وبالتأكيد أخذت عاصفة الحزم نحو الرياض كما معتبرا من بقية رجال حزبه ونظامه وخاصته الذين لم ينشقوا قبل.
الثلاثة الاعوام الاخيرة من حياة صالح كان المؤتمر - في أخر طبعاته وتطوراته - هو المنبر والذراع السياسي والاجتماعي الوحيد والقوي لصالح، مرّر عبر المؤتمر فكرة اتفاق تقاسم حكم صنعاء بينه وبين الحوثي، وانتزع لنفسه تمثيلا في جولات مفاوضات متعددة وبدأ يوسع تواصله خارجيا كحزب.
تعامل صالح -الحاكم صاحب الصلاحيات المهولة- مع حزبه طيلة عقود كذراع سياسي او موسمي يحركه باحتراف عند الحاجة، وبعد مغادرته الحكم حاول التعامل معه كحزب حقيقي.
الذي لم يتنبه له أن حليفه الجديد - الحوثي- بدأ ينزعج بقوة من تحريك لافتة المؤتمر، رغم ان كل جهوده ونشاطات حزبه الاجتماعية والجماهيرية وخطاباته وظفها بحماس كبير لخدمة واسناد المعركة العسكرية التي كان الحوثي وحده ينفرد بقرارها ويتحكم بها !.
وكانت ذكرى التأسيس في اغسطس 2017، هي محطة الافتراق والانفجار بين الحليفين، لم تستمر الامور بعدها غير اسابيع، في 4 ديسمبر قتلوه في صنعاء وسحلوه بطريقة بشعة.
كان صالح هو كل المؤتمر، هذه اهم الحقائق التي افرزتها حادثة مقتله.
مات صالح منذ اربع سنوات، طيلتها لم يتجرأ أحد من تيارات الحزب المبعثرة والمتنطعون باسمه على تشخيص أزمة الحزب، أو يقدم رؤية تلملم ما تبقى منه، وحده الحوثي في صنعاء حاول التعامل مع الامر للتربح، عين قيادة تحت الاسر لا تجروء حتى على قول نعم، فضلا عن الرفض والاعتراض، وفي المقابل سعى لتأميم عقارات وامكانات وارصدة الحزب المهولة، وسلاح صالح وممتلكاته وحتى مقاتليه وأبواقه.
هل لا زال بالامكان احياء المؤتمر؟ أم مات بموت صاحبه ؟
المؤكد أمام هذا السؤال أن كل كوادر وقيادات الحزب لم يفكروا او يحاولوا التفكير بإمكانية تجاوزه أزمته.
كثير من الاحزاب السياسية في اليمن والجمهوريات العربية تواجه أزمات واحداث عنيفة تؤثر على موقعها ومكانتها، ولدينا كمثال أزمة الحزب الاشتراكي اليمني مع احداث يناير 86م في الجنوب، ومع حرب 94م في دولة الوحدة، وكذلك ايضا ازمة التجمع اليمني للاصلاح بعد اجتياح الحوثي لصنعاء.
واجه الحزبان هزات باهظة الكلفة والتأثير وبعضها ستدوم طويلا، لكن لم تبتلى هذه الاحزاب ولا غيرها في العالم بالكم المهول من الانتهازيين والعابرين الذين اكتنزهم المؤتمر خلال حكمه، او من لا زال يستقبلهم من النفايات والغوغاء.
يمكننا القول أن قواعد المؤتمر الشعبي العام ووجاهاته الاجتماعية والادارية في مناطق سيطرة الحوثي هم الاكثر وجعا من هذه التداعيات والازمات، وهم دون سواهم من يمكن التعويل عليهم في التفكير بمسؤولية وطنية او حتى انسانية تجاه انفسهم وبلدهم، فهم من ذاقوا مرارة سطوة الامامة وذاقوا مرارة الخذلان والمزايدة ممن يتحدثون باسم حزبهم المزعوم.
أجدني دوما متعاطفا مع هؤلاء، ومراهنا على كونهم مستقبلا اصدق من في حزبهم وربما قسوة الاحداث تصنع الرجال، وكما قلت أعلاه، البلد بحاجة ملحة لكل مؤسسات العمل الوطني التي لازال لديها قابلية للحياة والتضحية.
أما مؤتمر المنفى والشتات بمختلف وجهات التمويل التي تحركهم ومثلهم الى حد كبير مؤتمر المحافظات المحررة، فهم التجسيد الانصع والاوضح لأسوأ مافي الحزب وماضيه، بما فيهم الكتاكيت المشوهة وفراخ الانابيب التي انجبتها اللايكات والظروف الرخوة وسوء خاتمة المؤتمر خلال العقد الاخير.
ولكل قاعدة استثناء.