المشهد اليمني
الجمعة 20 سبتمبر 2024 10:23 صـ 17 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
قصف مدفعي واشتباكات متبادلة في جبهة مهمة جنوبي اليمن أقوى تحرك حوثي ردًا على إدخال خدمة ‘‘ستارلينك’’ إلى اليمن سياسي بارز يكشف عن أولى الضغوطات التي تعرض لها الرئيس هادي عقب الانقلاب.. والخطوة التي قلبت الموازين وفاة الإمام أحمد في تعز ودفنه في صنعاء عقب ضربة ‘‘ستارلينك’’ الشرعية تتوعد مليشيا الحوثي بضربات جديدة دعوات لتحرك رسمي يمني لإيقاف مفتي عمان ‘‘أحمد الخليلي’’ بسبب تصريحه المثير عن اليمن.. ماذا قال؟ الوزير الحوثي يرفض تسليم أموال صندوق المعلم والذي يحصل منه سنويا على 27 مليار (تفاصيل) مليشيا الحوثي تستحدث مديرية جديدة في محافظة عمران وتطلق عليها هذا الاسم الحوثيون يواصلوا حملة اختطاف الناشطين الداعين للاحتفال بثورة 26 سبتمبر (أسماء) دخول محافظ إب ” عبد الواحد صلاح”بوعكة صحية مفاجئة بعد توجيهاته للإحتفال بثورة 26 سبتمبر شاهد .. قيادي سلالي يتغطرس بمشيته وحراسه يقرعون الطبول داخل شوارع إب يثير غضب الاهالي (فيديو) شاهد .. الفيديو الذي تسبب باعتقال الشيخ أمين راجح ورفاقه من منزله في صنعاء (فيديو)

‘‘وَاضرِبوهُنَّ’’ .. خلل الفهم وعدوانية الاستثمار (الحلقة الثانية)

أقول بعدئذ: ضبط الإسلام نظام العائلة، وجعله كيانًا متماسكًا منذ اختيار الزوجة إلى داوم العلاقة الزوجية أو انفصالها المُعبَّر عنها بلباقة اللفظ وجمال التعبير ﴿فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ﴾ [البقرة: 229]، فهو انتماء اختياري لا يقبل القهر والتسلط، وزُوِّد الزوجان مبكرًا بقيمتي (المودة والرحمة) الدالتين على وثوقية العلاقة، ومتانة الرباط والتماسك.

ترك أولئك مثاليات البناء الأسري الإسلامي، وكميات الحلول الإلهية التفصيلية الفريدة المودعة ثنايا النص القرآني، المقدمة لفك مشاكل النظام العائلي وإبقاء انسجامه. واتجهوا دون مقدمات إلى الأمر (واضربوهن) ليجعلوه مادة إعلامية دعائية، ومتنًا حاسمًا يضخون تحت هالته الشروحات التي تمكِّنهم من سردية المظلومية النسوية؛ إذ القوانين المدنية الحديثة تحرر المرأة من مسؤولياتها الزوجية، وتطردها خارج الكيان الأسري إلى سوق العمل بحثًا عن الضرائب.

على أي حال، فلتوضيح ما يدلي به اللفظ القرآني من حمولة دلالية يكشفها السياق المنظم لتلك المفردات، ويحملها الفهم المقاصدي الناظم لنظام الأسرة في الكيان الإنساني كما يرسمه الوحي الإلهي بشقيه أقول:

يقول السياق القرآني: ﴿فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلغَيبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظوهُنَّ وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ وَاضرِبوهُنَّ فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا﴾ [النساء:34]

في هذا النص من سورة النساء يضع التوجيه القرآني تدرجًا ثلاثيًا لإحدى أعنف المشكلات الأسرية التي تهدد التماسك الأسري وتعرضه للانفكاك والتشظي.

إن نشوب (النشوز)، وإطلال العناد والاستعلاء في سلوك المرأة مؤثر على صحة العلاقة الزوجية، ويحتاج إلى علاج صارم، خصوصًا إذا تحول إلى عصيان عام يسلمها للخراب.

لقد بدا العلاج القرآني تربويًا حساسًا يتناغم مع نفسية المرأة، ويكافح المرض في تطوراته الأولى، فمضى متدرجًا بالنصح والحوار والتحذير حتى إذا استنفد المسار كامل حلوله ولم يجد أذنًا صاغية كان الانتقال إلى الهجر المنزلي، وإغلاق أبواب الود؛ إذ تأثيرها على المشاعر أبلغ؛ حتى إذا استنفد المسار طريقه لم يبق إلا الضرب. وعلى مساربه تناول المشتغلون بالنص القرآني إجراءات التنفيذ مسنودين بالمقاصد الشرعية والتصرفات النبوية في الفعل والتطبيق.

اتفقت كلمة المشتغلين بالتفسير القرآني ودرس الفقه مبكرًا على أن الضرب المقصود في النص ذات الفعل الحقيقي إلا أن ضبطياته المنسجمة مع قصديته وفحواه تؤطره بغير المبرح، المتواري عن الأماكن الحساسة، المبتعد عن الوجه، القائم على الحل التربوي لا الانتقام، الضرب بوصفه حلًا وليس الضرب بوصفه مشكلة، الضرب الذي يدفع بجهود الصلح والتصالح إلى الأمام. فيؤكد رائد التفسير القرآني في بلاد الأندلس القاضي عبد الحق بن عطية (ت:541) في مدونته التفسيرية النفيسة «المحرر الوجيز» أن «الضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح»، «المحرر الوجيز»، (3/137)، ويرسم هدفه شمس الدين القرطبي (ت:671) في موسوعته التفسيرية الفقهية «الجامع لأحكام القرآن» بـأن «المقصود منه الصلاح لا غير»، «الجامع لأحكام القرآن» (6/285).

وكان رائد الدرس الحديثي الأول محمد بن إسماعيل البخاري (ت:256) قد سجل بابًا فريدًا ضمن مدونة «الجامع الصحيح» مؤكدًا هذا الضابط مصطحبًا له في سياق الفهم والتفهيم فقال: «باب ما يكره من ضرب النساء، وقول الله تعالى (وَاضرِبوهُنَّ) أي: ضرباً غير مبرح» «الجامع الصحيح»، (7/88).

وعلق أستاذ المدرسة الحديثية في القرن التاسع الهجري الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852) صاحب أكبر الشروحات العلمية على نص البخاري على عنوان الباب بأن «فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم» «فتح الباري» (15/603). ويضيف مشددًا «إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير» «فتح الباري» (15/605).

وحدد محدث الكوفة في القرن الثاني الهجري عطاء ابن السائب الثقفي (ت:136) الأداة المستخدمة في الضرب؛ إذ رأى أن تكون «بالسواك ونحوه»، «جامع البيان»، (6/706)، وتقرير هذه الأداة يشير إلى فهم رمزية الضرب المحقق للارتداع والتأديب النفسي، بعيدًا عن ضرب التنكيل المدمر للشخصية الذي يدور في أخيلة الدعائيين.

وكان ابن عرفة المالكي (ت: 1230) قد أفتى في حاشيته المشهورة (بحاشية الدسوقي) بعدم جواز الضرب المتمادي، ووضَّح النتائج المترتبة على تنفيذه، فقال: «ولا يجوز الضرب المبرح، ولو علم الزوج أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع، فلها التطليق عليه والقصاص». «حاشية الدسوقي»، (2/343).

إن معيارية الضرب التي ساقتها المدونات العلمية والشروحات العلمائية تم استبعادها بفعل متعمد لإظهار نظام العائلة الإسلامي بصورة وحشية لصالح التمرد العدواني على هذا النظام.

يتبع الجزء الثالث.